قوله :﴿ هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض ﴾ أي خلف بعضكم بضعاً وقيل : جعلكم أمة واحدة خلت من قبلها ما ينبغي أن يعتبر به فجعلكم خلائف في الأرض أي خليفة بعد خليفة تعلمون حال الماضين وترضون بحالهم، فمن كفر بعد هذا كله « فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ » أي وبالُ كُفْرِهِ « وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرينَ كُفْرِهُمْ عِنْدَ رَبِّهْم إلاَّ مَقْتاً » أي عضباً لأن الكافر ( و ) السابق كان ممقُوتاً « وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرينَ كُفْرُهُمْ إلاَّ خَسَاراً » أي الكفر لا ينفع عن الله حيث لاي يزد إلا المقت ولا ينفهم في أنفسهم حيث لا يفيدهم إلا الخسار لأنه العمر كرأسِ ( مالٍ ) من اشترى به رضى اللَّهَ رِبحَ ومن اشترى به سخطه خَسِرَ.
قوله :﴿ أَرَأَيْتُم ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنها ألف استفهام على بابها ولم تتضمن هذه الكملة معنى أَخْبِرُوني بل هو استفهام حقيقي وقوله :« أَرُوني » أمر تعجيز.
والثاني : أَنَّ الاستفهام غير مراد وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبرُونِي. فعلى هذا يتعدى لاثنين :
أحدهم : شُرَكَاءَكُمْ
والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله « مَاذَا خَلَقُوا » وَ « أَرُوِين » يحتمل أن تكون جملة اعتراضية.
والثاني : أن تكون المسألة من باب الإعمال فَإنَّ « أَرَأَيتُمْ » يطلب « مَاذَا خَلَقُوا » مفعولاً ثانياً و « أَ رُونِي » أيضاً يطلبه معلقاً له وتكون المسألة من باب إعمال الثاني على مُخْتَارِ البَصْرِيِّن، و « أَرُوني » هنا بصريَّة تعدت للثاني بهمزة النقل والبصرية قبل النقل تعلق بالاستفهام كقولهم :« أَمَا تَرَى أيّ بَرْق هَهُنا » وقد تقدم الكلام على ( أن ) « أَرأَيْتُمْ » هذه في الأنعام وقال ابن عطية هنا :« أرأيتم » ينزل عند سيبويه منزلة أخبروني ولذلك لا يحتاج إلى مفعولين. وهو غلط بل يحتاج كما تقدم تقريره. وجعل الزمخشري الجملة من قوله « أَرُوني » بدلاً من قوله :« أرَأيتُمْ » قال : لأن المعنى أرأيتم أخبروني وردَّهُ أبو حيان بأن البدل إذا دخلت عليه أداة الاستفهام ( لا ) يلزم إعادتها في المبدل ولم تعد هنا وأيضاً فإبدال جملة من جملة لم يعهد في لسانهم قال شهاب الدين : والجواب عن الأول أن الاستفهام فيه غير مراد قطعاً فلم تعد أداته، وأما قوله : لم يوجد في لسانهم فقد وجد ومنه :
٤١٦٣- مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بِنَا... | .................. |
٤٤١٦- إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أنْ تُبَايِعَا | تُؤْخَذَ كَرْهاً وَتُجِيبَ طَائِعاً |
فصل
هذه الآية تقرير للتوحيد وإبطال للإشراك والمعنى جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَائي بزعمكم يعني الأصنام « أرُوني » أخبروني « ماذا خلقوا من الأرض » فقال :« شركاءكم » فأضافهم إليهم من حيث إنَّ الأصنامَ في الحقيقة لم تكن شركاء لله وإنما هم الذين جعلوها شركاء فقال شركاءكم أي الشركاء بجعلكم.