قوله :﴿ مِن دَآبَّةٍ ﴾ أي كما في زمن نوح - عليه ( الصلاة و ) السلام ) أهلك الله ما على ظهر الأرض من كان في السفينة مع نُوحٍ.
فإن قيل : إذا كان الله يؤاخذ الناس بما كسبوا فما ( بال ) الدوَابِّ يهلكون؟
فالجواب من وجوه :
أحدهما : أن خلق الجواب نعمة فإذا كفر الناس يزيل الله النعم والدوابّ أقرب النعم، لأن المفردَ ( أولاً ) ثم المركب والمركب إما أن يكون معدناً وإما أن يكون نامياً والنامي إما أن يكون حيواناً أو نباتاً والحيوان إما إنساناً أو غير إنسان فالدوابّ أعلى درجات المخلوقات في عالم العناصر للإنسان.
الثاني : أن ذلك بيان لشدة العذاب وعمومه فإن بقا ( ء الأشياء ) بالإنسان كما أنَّ بقاء الإنسان بالأشياء لأن الإنسان يدبر الأشياء ويصلحها فتبقى الأشياء ثم ينتفع بها الإنسان فإذا كان الهلاك عاماً لا يبقى من الإنسان من يُعَمِّر فلا يبقى الأبنية والزروع فما تبقى الخيرات الإلهية فإن بقاءها لحفظ الإنسان إياها عن التلف والهلاك السَّقْي الْقَلْبِ.
الثالث : أن إنزال المطر إنعام من الله في حق العباد فإذا لم يستحقوا الأنعام قطعت الأمطار عنهم فيظهر الجفاف على وجه الأرض فتموت جميع الحيوانات.
فإن قيل : كيف يقال لما عليه الخلق من الأرض وجه الأرض وظهر الأرض مع أن الظهر مقابلهُ الوجه فهو كالتضاد؟ فيقال : من حيث إنَّ الأرض كالدابة الحاملة للأثقال والحمل يكون على الظهر وأما وجه الأرض فلأن الظاهر من باب والبطن والباطن نم باب ووجه الأرض ظهر لأنه هو الظاهر وغيره منها باطن وبطن.
قوله :﴿ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ هو يوم القيامة وقيل : يوم لا يوجد في الخلق مؤمن وقيل : لكل أمة أجل، ولك أجل كتاب وأجل قوم محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام - أيام القتل والأسر كيوم بدر وغيره.
قوله :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾ تسلية للؤمنين لأنه قال : ما ترك على ظهرها من دابة وقال ﴿ لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ] فقالك فَإذَا جَاءَ الْهَلاَك فاللَّهُ بالعباد بصيرٌ قال ابن عباس : يريد أهل طاعنه وأهل معصيته، ( و ) روى أبو أمامةَ عن أُبيِّ بْن كعب قال : قال رسول الله - ﷺ - :« مَنْ قَرَأ سُورَةَ الْمَلاَئِكَةِ دَعَتْهُ يَوْمَ الْقِيامَةَ ثَمَانِيةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ أَنْ ادْخُلْ مِنْ أيّ الأبْوَابِ شِئْتَ » [ والله الموفّقُ للصّواب، وإليه المرجعُ والمآبُ ].