والجملة القسمية على هذا اعتراض. والباقون بالنصب على المصدر كأنه قال : نَزَلَ تَنْزِلَ العَزِيزِ الرحيم لتنذر. أو على أنه معفول بفعل مَنْوِيِّ كأنه قال والقرآن الحكيم أعين تَنْزِيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين لتنذر وهذا اختيار الزمخشري وهو المراد بقوله :« أو عَلَى المَدْح » وهو في المعنى كالرفع على خبر ابتداء مضمر و « تنزيل » مصدر مضاف لفاعله.
وقيل : هو بمعنى منزِّل وقرأ أبو حيوة واليزيدي وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة تَنْزِيل بالجر على النعت للقرآن أو البدل منه، كأن قال : والقُرْآن الحكيم تنزيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين.
وقوله :﴿ العزيز الرحيم ﴾ إشارة إلى أن الملك إذا أرسل فالمرسَلُ إليهم إما أن يخالفوا المرسل ويُعِينُوا المُرْسَل، وحينئذ لا يقدر الملك على الانتقام منهم إلا إذا كان عزيزاً، أو يخالفوا المُرْسِل ويكرموا المُرْسَل وحينئذ لا يقدر الملك. أو يقال : المُرْسَلُ يكون معه في رسالته مَنْعٌ عن أشياء وإطلاق لأشياء والمنع يؤكده العزة والإطلاق يدل على الرحمة.
قوله :﴿ لِتُنْذِرَ ﴾ يجوز أن يتعلق ب « تَنْزِيلُ » أو بمعنى المرسلين يعني بإضمار فعل يدل عليه هذا اللفظ أي أرْسَلْنَاك لِتُنْذِرَ.
قوله :﴿ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ ﴾ يجوز أن تكون « ما » هذه بمعنى الذي، وأن تكون نكرة موصوفة والعائد على الوجهين مُقَّدرٌ.
أي ما أنذره آباؤهم فتكون ما وصلتها أو وصفتها في محل نصب مفعولاً ثانياً لقوله :﴿ لِتُنذِر ﴾ كقوله :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ [ النبأ : ٤٠ ] أو التقدير لِتُنْذِرَ قَوْماً الذي أُنْذِرَهُ آبَاؤُهُمْ من العذاب، أو لتنذر قوماً عذاباً أُنْذِرَهُ آبَاؤُهُمْ.
ويجوز أن تكون مصدرية أي إنْذَار آبَائِهِم أي مثله. ويجوز أن تكون ما نافية، وتكون الجملة المنفية صلة ل « قوماً » أي قوماً غير منذر آباؤهم. ويجوز أن تكون زاذدة أي قوماً أنذر آباؤهم. والجملة المثبتة أيضاً صفة ل « قوماً » قال أبو البقاء.
وهو مناف للوجه الذي قبله. فعلى قولنا ما نافية، فالمعنى ما أنذر آبَاؤُهُم الأَدْنونَ وإن قلنا : ما للإثبات فالمعنى ليُنْذَرُوا بما أنذر آباؤهم الأولون. وقوله :﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ أي عن الإيمان والرشد.


الصفحة التالية
Icon