﴿ فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [ الحج : ٥٠ ] والمراد بالغيب : ما غاب وهو أحوال يوم القيامة. وقيل الوَحْدانية.
وقوله :﴿ فَبَشِّره ﴾ إشارة إلى الرسالة، فإنَّ النَّبِيِّ بشيرٌ ونذيرٌ.
وقوله :« بمغفرة » على التنكير أي بمغفرة واسعةٍ تسيرُ من جميع الجوانب « وَأجْرٍ كريمٍ » أي ذي كرم كقوله :﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ « والمراد به الجنة.
قوله تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى ﴾ عند البعث. لما بين الرسالة وهو أصل من الأصول الثلاثة التي يصير بهم المكلف مؤمناً مسلماً ذكر أصلاً آخر وهو الحشر. ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما ذكر الإنذار والبشارة بقوله :﴿ فَبَشِّرهم بمغفرة ﴾ ولم يظهر ذلك بكماله في الدنيا فقال : إن لم يرد في الدنيا فاللَّه يحي الموتى وُيجْزَى المنذّرُونَ والمُبشرُونَ ووجه آخر وهو أن تعالى لما ذكر خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يكده وهو إحْيَاءُ الموتى.
فصل
» إنّا نحن « يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبراً كقوله :
٤١٧١- أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي... ومثل هذا يقال عند الشُّهْرَة العظيمة، وذلك لأنَّ من لا يُعْرَفُ يُقَال ( لَهُ ) : من أنت؟ فيقول : أنا ابنُ فُلاَنٍ فيُعْرَفُ، ومن يكون مشهوراً إذا قيل له : مَنْ أَنْتَ، يقول : أنا ولا معرفة لي أظهر من نفسي فيقال : إنَّا نَحْنُ معروفون بأوصاف الكمال، وإذا عرفنا بأنفسنا فلا ينكر قدرتنا على إحياء الموتى.
والثاني : أن الخبر » نُحْيِي « كأنه قال :» إِنَّا نُحِيي المَوْتَى « و » نحن « يكون تأكيداً.
وفي قوله :﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى ﴾ إشارة إلى الوحيد؛ لأن الإشراك يوجب التمييز، فإن » زيداً « إذا شاركه غيره في الاسم، فلو قال :» أنا زيد « لا يحصل التعريف التام، » لأن « للسامع أن يقول : أيُّمَا زيد؟ فيقول : ابنُ عمرو، ( ولو كان هناك زيدٌ آخرُ أبو عمرو ولا يكفي قوله : ابن عمرو ) فلام قال الله :﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى ﴾ أي ليس غيرنا أحد يشركنا حتى يقول : أنا كذا فيمتاز، وحينئذ تصير الأصول الثلاثة مذكورة : الرسالة والتوحيد والحشر.
قوله :﴿ وَنَكْتُبُ ﴾ العمة على بنائه للفاعل، فيكون » مَا قَدَّمُوا « مفعولاً به و » آثَارهُمْ « عطف عليه وزِرّ ومسروقٌ قَرَآهُ مبنياً للمفعول، و » آثَارُهُم « بالرفع عطفاً على » مَا قَدَّمُوا لِقِيَامِهِ مَقَام الفَاعِل.
فصل
المعنى ماقدموا وأخروا، فكتفى بأحدهما، لدلالته على الآخر كقوله تعالى :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] أي وَالبَرْدَ. وقيل : المعنى ما أسلفوا من الأعمال صالحةً كانت أو فاسدةً، كقوله تعالى :﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [ البقرة : ٩٥ ] أي بما قدمت في الوجود وأوجدته. وقيل : نكتب نِيَّاتِهِمْ فإنها قبل الأعمال و « آثَارَهُمْ » أي أعمالهم. وفي « آثارهم » وجوه :
أحدها : ما سنوا من سنة حسنة وسيئة.