قوله تعالى :﴿ واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية ﴾ تقدم الكلام على نظيره في البقرةِ والنحل والمعنى واضرب لأجلهم مثلاً، أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثهم عند نفسك بأصحاب القرية. فعلى الأول لمَّا قال تعالى :﴿ إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ﴾ [ يس : ٣ ] وقال :﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ [ يس : ٦ ] قال : قل لهم ما أنا بدعاً من الرسل بل ( قبلي ) بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني لما قال تعالى : إن الإنذار لا ينفع من أضله اللَّهُ وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه ( الصلاة و ) السلام : فلا بأس واضرب لنفسك ولقومك « مثلاً » أي مَثِّلْ لهم عند نفسك مثلاً بأصحاب القرية، حيث جاءهم ثلاثةُ رُسُل فم يؤمنوا، وصبر الرسل عل القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة، فإنهم جاءوا قريةً وأنت بعثت إلى العالم.
قوله :﴿ أَصْحَابَ القرية ﴾ أي واضرب لهم مثلاً ( مَثَلَ ) أصحاب القرية، فترك « المَثَلَ » وأقيم « الأصحاب » مُقامة في الإعراب كقوله :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
قال الزمخشري : وقيل : لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً أو مثل أصحاب القرية بهم قال المفسرون : المراد بالقرية أنْطَاكية.
قوله :﴿ إِذْ جَآءَهَا ﴾ بدل اشتمال. قال الزمخشري :« إذْ » منصوبة لأنها بدل أصْحَابِ القَرْيَة كأنه تعالى قال : واضْرِب لهم وقت مجيء المرسلين ومثل ذلك الوقت بوقتِ مُحَمَّد.
وقيل : منصوب بقوله :« اضْرِبْ » أي اجعل الضرب كأنه حين مجيئهم وواقع فيه والمرسلون من قوم عيسى وهم أقرب مُرْسَلٍ أُرْسل إلى قوم إلى زمان محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام- وهم ثلاثة.
قوله :﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ ﴾ بدل من « إذ » الأولى، كأنه قال : اضْرب لهم مثلاً إذ أرسلنا إلى اصحاب القرية اثنين. قال ابن الخطيب : والأصح الأوضح أن يكون « إذا » ظرفاً والفعل الواقع فيه « جَاءَها » أي جاءها المرسلون حينَ أرْسَلْنَاهُمْ إلَيْهِمْ.
وإنما جاءوهم حيث أمروا. وهذا فيه لطيفة أخرى وهي أن في القصة أن الرسلَ كانوا مبعوثين من جهة عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام- أرسلهم إلى أنطاكية فقال تعالى : إرسال عيسى ( عليه السلام- ) هو إرسالنا رسول رسول الله بإذن الله فلا يقع لك يا محمد أن أولئك كانوا رُسُلَ الرسل وإنما هم رُسُلُ الله، فإن تكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله :﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ ﴾ ويؤيد هذا مسألة فِقْهِيَّةٌ وهي أن وَكيلَ الوكيل بإذن الموكل وَكيلُ المُوَكّل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه وينعزل إذا عزله الموكل ( الأول ) وهذا على قولنا :« واضرب لهم مثلاً » ضرب المثل لأجل محمد - ﷺ - ظاهر وقوله :« إذا أرسلنا إليهم اثنين » في بعثة الاثْنَيْنِ حكمةٌ بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة عيسى عليه ( الصلاة و ( السلام ) ( بإذن الله فكان عليهما إنهاء الأمر إلى عيسى ﷺ ) فهو بشر فأمره الله بإرسال اثنين ليكون قَوْلُهُمَا على قومهما عند عيسى حجَّةً.