فالتقدير عند سيبويه أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ تَتَطَيُّرُون وعند يونس تَطَيُّرُوا مجزوماً فالجواب للشرط على القولين محذوف.
وقد تقدم هذا في سورة الأنبياء. وقرأ أبو جفعر وطلحة وزِرّ بهمزتين مفتوحتين، إلاَّ أنَّ زِرّاً لم يسهل الثانية، كقوله :
٤١٧٢- أَإِنْ كُنْتَ بْنَ أَحْوَى مُرَحَّلاً | فَلَسْتَ برَاعٍ لابْن عَمِّكَ مَحْرَمَا |
وتخرج هذه القراءات الثلاث على حذفلام العلة أي ( أَ ) لأَنْ ذُكّرْتُمْ تَطَيِّرْتُمْ ف « تطيرتم » هو المعلول، وأن ذكرتم عليته. والاستفهام منسحب عليهما في قراءة الاستفهام. وفي غيرها يكون إخبار بذلك. وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسروة وهي شرط من غير استفهام، وجوابه محذوف أيضاً. وقرأ الأعمش والهَمْدَانيُّ أين ذكرتم فطائركم معكم أو صُحْبَتُكُمْ طائركم، لدلالة ما تقدم من قوله :﴿ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ﴾ ومن يجوز تقديم الجواب لا يحتاج إلى حذف.
وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو رجاء والأصْمَعِيُّ عن نافع ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف.
فصل
قوله :« أئن ذكرتم » جواب عن قوله :﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ أي أتفعلون بنا ذلك وإن ذكرتم أي وعظتم بالله وبين لكم الأمر بالمعجز والبُرْهان « بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ » مشركون مجاوزون حيث تجعلون ما يُتَبرَّكُ به يتشاءم بِهِ وتقصدون إيلام من يجب إكرامه، أو مسرفون حيث تكفرون ثم تُصِرُّونَ بعد ظهور الحق بالمُعْجِزة والبُرهان.
فإن قيل :( بل ) للإضراب فما ( الأمر ) المضروب عنه؟
فالجواب : يحتمل أن يقال قوله : أَئِنْ ذُكِّرتم واردة على تكذيبهم فإنهم قالوا : نحن كاذبون وإن جئنا بالبرهان لا بل قوم مسرفون. ويحتمل أن يقال : أنحن مشؤومون وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه لا بل أنتم قوم مسرفون. ويحتمل أن يقال : أنحن مستحون الرجم والإيلام وإن بينا صحَّةَ ما أتينا به لا بل أنتم قوم مسرفون.
فصل
ذكر المفسرون أن عيى - عليه ( الصلاة و ) السلام - بعث رجلين إلى أهل أنطاكية فَدَعَوَا إلى توحيد الله وأظهرا المعجزة من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى فحبسهم الملك فأرسل بعدهما شمْعُون، فأتى الملك، ولم يدع الرسالة وقرب نفسه من الملك بحسن التدبير، ثم قال : إني أسْمَعُ ( أنَّ ) في الحبس رَجُلَيْنِ يَدِّعيَا ( نِ ) أمراً بديعاً أفلا يحضران نسمع كلامهما؟ فقال الملك : بلى فأحضرا وذكرا مقالتهما الحقَّةَ فقال شمعون : وهل لكما بيِّنَةٌ؟ قالا : نعم فأبرءا الأكمه والأبرص وأَحْيَيا الموتى. فقال شمعون : يا أيها الملك : إن شئت أن تَغْلِبَهم فقل للآلهة التي تعبدونها تفعل شيئاً من ذلك فقال له الملك أنت لا يخفى عليك أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم فقال شمعون : فَإذَنْ ظهر لي الحق من جانبهم فآمن الملك ( وقوم ) وكفر آخرون. وكانت الغلبة للمكذبِينَ.