قوله :﴿ ياحسرة ﴾ العامة على نصبها وفيه وجهان :
أحدهما : أنها منصوبة على المصدر والمنادى محذوف تقديره يا هؤلاء تَحسَّرُوا حَسْرَةً.
والثاني : أنها منونة لأنها منادى منكر فنصبت على أصلها كقوله :

٤١٧٧- فَيَا رَاكِباً إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغاً نَدَامَاي مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا
ومعنى النداء هنا على المجاز، كأنه قيل : هذا أوانك فاحضري وقرأ قتادة وأبيّ - في أحد وجهيه- يا حسرة بالضم جَعَلها مقبلاً عليها وأبيّ أيضاً وابن عباس وعلي بن الحُسَيْن « يَا حَسْرَةً العِبادِ » بالإضافة فيجوز أن تكون مضافاً لفاعله أي تَتَحَسَّرُونَ على غيرهم لما يرون من عذابهم وأن يكون مضافاً لمفعوله أي يَتَحَسَّرُ عليهم ( من ) غيرهم. وقرأ أبو الزناد وابن هُرْمز وابن جُنْدُب « يا حَسْرَهْ » بالهاء ( المهملة ) المبدلة من تاء التأنيث وصلاً وكأنهم أَجْروا الوَصْل مُجْرَى الوقف وله نظائر مرت وقال صحب اللوامح وقفوا بالهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التَّاهَةِ بمعنى التأوه ثم وصلوا على تلك الحال وقرأ ابن عباس أيضاً : يا حَسْرَة بفتح التاء من غير تنوين ووجهها أن الأصل يا حسرتا فاجتزئ بالفتحة عن الألف كما اجتزئ بالكسرة عن الياء ومنه :
٤١٧٨- وَلَسْتُ براجِعِ مَا فَاتض مِنِّي بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَانِّي
أي بلهفها بمعنى لهفي وقرئ : يا حَسْرتَا بالألف كالتي في الزمر وهي شاهدة لقراءة ابن عباس وتكون التاء لله تعالى، وذلك على سبل المجاز دلالة على فرط هذه الحسرة وإلا فاللَّه تعالى لا يوصف بذلك قوله :« مَا يَأْتِيهِمْ » هذه الجملة لا محل لها لأنها مفسِّرة لسبب الحسرة عليهم وهذا الضمير يجوزأن يكون عائداً إلى قوم حبيب أي ما يأتيهم من رسول من الرّسلِ الثلاثة. ويجوز : أن يعود إلى الكفار المصرين وقوله :« إلاَّ كَانُوا » جملة حالية من مفعول « يَأْتِيهِمْ ».

فصل


الألف واللام في العبادة قيل : للعهدوهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك. وقيل : لتعريف الجنس أي جنس الكفار المكذبين وقيل : المراد بالعبادة الرسل الثلاثة كأنه الكافرين يقولون عند ظهور اليأس يا حسرةً عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين لنؤمن بهم ثانياً وهم قوم ( حبيب ) وفي التحسر وجوه :
الأول : لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذا المقصودُ بيانُ ( أن ) ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عن تحقق العذاب وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض كثيراً إذا كان الغرض غير متعلق به يقال : فلان يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء مُعْطًى ولا شخص معطى، إذا المقصود أن له المنع والإعطاء، ورفض المفعول كثير وما نحو فيه رفض الفاعل وهو قليل. والوجه فيه أن ذكر التحسر غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في خلال الوقت.
الثاني : أن القائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيماً لللأمر وتهويلاً له وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حقل اله كالضِّحِك والسُّخْرية والتعجيب والتّمنِّي.


الصفحة التالية
Icon