قوله :﴿ مِن ثَمَرِهِ ﴾ قيل : الضمير عائد على النخيل؛ لأنه أقرب مذكور وكان من حق الضمير أن يثنى على هذا لتقدم شيئين وهما الأعْنَاب والنَّخِيل إلا أنه اكتفى بذكر أحدهما، وقيل يعود على جنات وعاد بلفظ المفرد ذهاباً بالضمير مَذْهَبَ اسم الإشارة كقول رؤبة :
٤١٨١- فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبلَقْ | كَأَنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ |
قوله :﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ في « ما » هذه أربعة أوجه :
أحدها : أنها موصولة أي ومن الذي عملته أيديهم من الغَرْس والمُعَالَجَة. وفيه تجوز على هذا.
والثاني : أنها نافية أي لم يعلموه هم بل الفاعل له هو الله سبحانه وتعالى، أي وجدها معمولة ولا صنع لهم فيها. وهو قول الضحاك ومقاتل. وقيل : أراد العيون والأنهار التي لم تعلمها يدُ خلقٍ مثل الدِّجْلة والفرات والنيل ونحوها. وقرأ الأخوان وأبو بكر بحذف الهاء والباقون : وما عملته بإثباتها. فإن كانت « ما » موصولة فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر حذف العائد كما حذف في قوله :﴿ أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً ﴾ [ الفرقان : ٤١ ] بالإجماع وعلى قراءة غيرهم جيء به على الأصل، وإن كانت نافيةً فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر لا ضمير مقدر ولكن المفعول محذوف أي ما عَمِلَتْ أيْدِيهم شَيْئاً من ذلك وعلى قراءة غيرهم الضمر يعود على « ثَمَرِهِ » وهي مرسومة بالهاء في غير مصاحف الكوفة وبحذفها فيما عداها، فالأخوان وأبو بكر وافقوا مصاحفهم والباقون غير حفص وافقوا ( ها ) أيضاً وحفص خالف مصحفه وهذا يدل على أن القراءة متلقاةٌ من أفواه الرجال فيكون عاصم قد أقرأها لأبي ( بكر ) بالهاء كالكلام في الموصولة.
والرابع : أنها مصدرية أي ومن عمل أيديهم والمصدر واقع موقع المفعول به فيعود المعنى إلى معنى الموصولة أو الموصوفة.
فصل
إذا قلنا :« ما » موصولة يحتمل أن يكون المعنى وما عملته أيديهم بالتِّجَارة كأنه ذكر نَوْعَيْ ما يأكل الإنسان وهما الزراعة والتجارة ( أ ) ومن النبات ما يؤكل من غير عمل الأيدي كالعِنَبِ والتَّمْر وغيرهما ومنه ما يعمل فيه عمل فيؤكل كالأشياء التي لا تؤكل إلا مطبوخةأو كالزيتون الذي لا يؤكل إلا بعد إصلاح ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر قوله :﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ وذكر بصيغة الاستفهام لما تقدم في فوائد الاستفهام قوله :﴿ سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا ﴾ أيا لأصناف و « سبحان » عَلَمٌ دال على التسبيح تقديره : سُبِّح تَسْبِيحَ الِّذِي خلق الأزواج.