وقال مِنْ مِثْل الفلك للبيان وتقدم اشتقاق الذُّرِّيَّةِ في البقرة، واختلاف القراء فيها في الأعراف.

فصل


قال المفسرون : المراد بالذُّرَّيَةِ الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد أي حَمَلْنَا آبَاءَكُمْ في الفلك، والألف للتعريف أي فُلْكِ نُوِحِ وهو مذكور في قوله :﴿ واصنع الفلك ﴾ [ هود : ٣٧ ] وهو معلوم عند العرب. وقال الأكثرون : الذرية لا تطلق إلا على الولد وعلى هذا فالمراد إما أن يكون الفلك المعين الذي كان لنوح وإما أن يكون المراد الجنس كقوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٢ ] وقوله :﴿ وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾ [ فاطر : ١٢ ] وقوله :﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ] إلى غير ذلك من استعمال لام التعريف في الفلك لبيان الجنس فإن كان المراد سفينةَ وح ففيه وجوه :
الأول : أن المراد : حملنا أولادهم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك ولولا ذلك لما بقي للأب نسلٌ ولا عَقِب وعلى هذا فقوله :﴿ حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُم ﴾ إشارة إلى كمال النعمة أي لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة وهذا قول الزمخشري ويحتمل أن يقال : إنه تعالى إنما خص الذريات بالذكر لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم فقال :﴿ حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُم ﴾ أي لم يكن الحَمْلُ حَمْلاً لهم وإنَّما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين كمن حمل صُنْدُوقاً لا قيمة له وفيه جَوَاهِرُ ( ف ) قيل : إنه لم يحمل الصندوق إنما حمل ما فيه.
الثاني : أنّ المُرَادَ بالذُّرِّيَّة الجنس أي حملنا أجناسهم لأن ذلك الحيوانَ من جسنه ونوعه، والذرية تطلق على الجنس ولذلك تطلق على النِّساء كنهي النبي - عليه ( الصلاة و ) السلام ) عن قَتْلِ الذَّرَارِي أي النساء لأنَّ المرأة وإن كانت صِنْفاً غير صِنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال : ذَرَاينا أي أمثالنا.
الثالث : أن الضمير في قوله :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ ﴾ عائد على العَبِاد، حيث قال :﴿ ياحسرة عَلَى العباد ﴾ [ يس : ٣٠ ] وقال بعد ذلك :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ ( وإذا عُلِمَ هذا فكأنه تعالى قال :« وآيةٌ للعبادِ أنا حملنا ذريات العباد ». ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصاً مُعَيَّنينَ كقوله :﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ] ﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] وكذلك إذا تقاتل قومٌ ومات الكُلّ في القتال يقال : هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم. « فهم » في الموضعين يكون عائداً إلى القوم ولا يكون المراد أشخاصاً مُعَيَّنِينَ بل المراد أن بعضَهم قتل بعضَهم فكذلك قوله تعالى :« آيةٌ لهم » أي آية لكل بعض منهم أ، ا حلمنا ذرية كُلِّ ( بَعْض ) منهم، أو ذرية بعض منهم.


الصفحة التالية
Icon