الثاني : أن في السبعة معنّى يخصها ولذلك كانت السماواتُ سبعاً، والأرضينَ سبعاً، ( وأبواب جهنم سبعاً )، وأبواب الجنة ثمانية لأنها الحسنى وزيادة فالزيادة هي الثامن؛ لأن العرب عند الثامن يزيدون واواً، يقول الفراء : إنها واو الثمانية وليس ذلك إلا للإستئناف؛ لأن العدد تم بالسبعة. واعلم أن في الكلام اختصاراً تقديره : ولَوْ أَنَّ ما فِي الأَرْضِ من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يَمُدُّه مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبحُرٍ يكتب بها كلام الله ما نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ.
قوله :« كلمات الله » قال الزمخشري : فإن قلتَ : الكلماتُ جمعُ قلَّةٍ، والموضوع موضع تكثير فهلا قِيلَ : كَلِمٌ؟ قلتُ : معناه أن كلماته لا يقع بكتبها البحار يكفي بِكَلِمِهِ، يعني أنه من باب التنبيه بطريق الأولى. ورده أبو حيان بأن جمع السلامة متى عرف « بأل » ( غير العهدية، أو أضيف عَمَّ ). قال شهاب الدين : للناس خلاف في « أل » هل تعم أو لا؟ وقد يكون الزمخشري مِمَّنْ لا يرى العموم ولم يزل الناس يشكون في بَيْت حَسَّانَ - رضي الله عنه - :

٤٠٥٩ - لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ..............................
ويقولون : كيف أتى بجمع القلة في مقام المدح ولم لم يقل « الجفان » وهو تقرير لما قاله الزمخشري، واعتراف بأن « أل » لا تؤثر في جمع القلة تكثيراً. ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ ﴾ أي كامل القدرة لا نهاية لمقدوراته « حَكِيمٌ » كامل العلم لا نهاية لمعلوماته، وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية، وعلى قول غيره مكية.
قوله :﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ لما بين كمال قدرته وعلمه ذكر ما يبطل استبعادهم لحشر فقال :﴿ خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾، فقوله :« إِلا كَنَفْسٍ » خبر « مَا خَلْقُكُمْ » والتقدير : إِلا كَخَلْقِ نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء ﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ « سميع » لما يقولون « بصير » بما يعملون فإذا كان قادراً على البعث ومحيطاً بالأقوال والأفعال وجب الاحتراز الكامل، وقوله :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل ﴾ في النظم وجهان :
الأول : أن الله تعالى لما قال :﴿ ألم تر أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ على وجه العموم ذكر منها بعض ما فيها على الوجه المخصوص بقوله :﴿ يُولِجُ الليل فِي النهار ﴾ وقوله :﴿ وَسَخَّرَ الشمس والقمر ﴾ إشارة إلى ما في السموات.


الصفحة التالية
Icon