قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا ﴾ جوابها محذوف أي أعرضوا يدل عليه بعده :« إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضينَ » وعلى هذا فلفظ « كانوا » زائدٌ، قال ابن عباس : ما بين أيديكم يعني الآخرة فاعملوا لها، وما خلفكم يعني الدنيا فاحْذَرُوها ولا تغترّوا بها وقيل : ما بين أيدكم وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الآخرة قاله قتادة ومقاتل، « لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ».
قوله :﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ أي دلالة على صدق محمد - ﷺ - إلا كانوا عنها معرضين وهذا الاستئناف في محل ( نصب ) حال كما تقدم في نظائره، وهذه الآية متعلقة بقوله تعالى :﴿ ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [ يس : ٣٠ ] أي إذا جاءتهم الرسل كذبوا وإذا أتوا بالآيات أعْرَضُوا.
قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا ﴾ لما عدد الآيات بقوله :( « وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ » ) ( و ) « آيةٌ لَهُمُ اللِّيْلُ » ( و ) ( آيةٌ لَهُمْ أنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ « وكانت الآيات تفيد اليقين والقطع ولم تفدهم اليَقينَ قال فلا أقلَّ من أن يَحْترزوا وقوع العذاب، فإن من أخبر بوقوع العذاب يتقيه وإن مل يقطع بصدق المخبر احْتِيَاكاً فقال تعالى : إذا ذكرتم الدليل القاطع لا يعترفون به فإذا قيل لهم اتقوا لا يتقون فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة لا مثل العلماء الذين يبنون الأمر على الأحوط ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ بحرف التمنِّي أي أن يخفى عليه البرهان لا يترك الاحتراز والاحْتِيَاطَ.
قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله ﴾ أي أعطاكم الله. وهذا إشاءة إلى أنهم بخلوا بجميع التكاليف لأن المكلف يجب عليه التعظيم لجانب الله والشفقة على خلق الله وهم تركوا التعظيم حيث قيل لهم : اتَّقُوا ( فلم يَتَّقُوا ( وتركوا الشفة على خلق الله حيث قيل لهم : أَنْقِقُوا ولم ينفقوا فما الحكمة في حذف الجواب في قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ وههنا أجاب وأتى بأكثر من الجواب ولو قال :» وإذا قيل لهم أنققوا قالوا أنْطْعِمُ مَنْ لو يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ « لكان كافياً فما الفائدة في قوله تعالى :﴿ قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا ﴾ فالجواب : أن الكفار كانوا يقولون بأنَّ الإطعام من الصِّفات الحميدة وكانوا يفتخرون بطُعمةِ الأضياف فأوردوا في ذلك على المؤمنين معتقدين بأن أفعالنا مَنًّا ولولا إطعامنا مَنَّا لما اندفعت حاجة الضيف وأنتم تقولون : إنّ إلهكم يرزق من يشاء فَلِمَ تقولون لنا : أنفقوا؟ فلما كان غرضهم الرد على المؤمنين، لا الامتناع من الإطعام قال تعالى عنهم :﴿ قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا ﴾ إشارة إلى الرد.