والواو في هذه للقسم، والجواب قوله :﴿ إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ ﴾.
وقد ذكر الكلام في الواو ( و ) الثانية والثالثة هي للقسم أو للعطف.

فصل


قال ابن عباس والحسن وقتادة : والصَّافَّات صفًّا هم الملائكة في السماء يصفون كصوفوف الخلق في الدنيا للصلاة وقال - عليه ( الصلاة و ) السلام - :« أَلاَ تَصُفُّونَ تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ » ؟ قُلْنَا : وَكَيْفَ تصفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ : يُتمُّونَ الصُّفُوفَ المُقَدَّمة وَيَتَرَاصُّون في الصَّفِّ « وقيل : هم الملائكة تصُفُّ أجْنِحَتَهَا في الهواء واقفة حتى يأمر ( ها ) الله بما يريد، وقيل : هي الطير لقوله تعالى » والطّير صَافَّاتِ « » فالزاجرات زجراً « يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقال قتادة : هي زواجر القرآن تنهي وتزجر عن القبيح » فالتاليات ذكراً « هم الملائكة يتلون ذكر الله وقيل : هم جماعة قُرَّاء القرآن، وهذا كله قسم، وقيل : فيه إضمار، أي ورَبَّ الصّافّاتِ والزاجرات والتاليات.

فصل


قال أبو مسلم الأصفهاني لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة لأنها مُشْعِرَةٌ بالتأنيث والملائكة مبرأون عن هذه الصفة، وأجيب بوجهين :
الأول : أن الصافات جمع الجمع فإنه يقال جماعة صافة، ثم يجمع على صافات.
والثاني : أنهم مبرأون عن التأنيث المعنوي وأما التأنيث اللفظي فلا وكيف وهم يسمون بالملائكة مع أن علامة التأنيث حاصلة.

فصل


اختلف الناس ههنا في المقسم به على قولين :
أحدهما : أن المقسم به خالق هذه الأشياء لِنَهْيِهِ - ﷺ - عن الحلف بغير الله تعالى ولأن الحلف في مثل هذا الموضع تعظيم للمحلوف به، ومثل هذا التعظيم لا يليق إلا بالله تعالى ومما يؤكِّد هذا أنه تعالى صرح به في قوله :﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا والأرض وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٥-٧ ]
الثاني : أن المقسم به هو هذه الأشياء لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلافُ الدليل وأما قوله تعالى :﴿ وَمَا بَنَاهَا ﴾ فإنه علق لفظ القسم بالسماء ثم عطف عليه القسم بالباء في السماء ولو كان لامراد من القسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التَّكرار في موضع واحد وأنه لا يجوز وأيضاً لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء التنبيه على شرف ذَوَاتِهَا.
فإن قيل : ذكر الحَلِف في هذا الموضع غير لائق وبيانه من وجوه :
الأول : أن المقصود من هذا القسم إما إثبات هذا المطلوب عند المؤمن أو عند الكافر. والأول باطل لأن المؤمن مُقرٌّ به من غير حلق.
والثاني : باطل لأن الكافر لا يقر به سواء حصل الحلق أو لم يحصل فهذا الحلق عديم الفائدة على كلّ تقدير.


الصفحة التالية
Icon