قوله :﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب ﴾ قرأ عاصم براية أبي بكر :« بِزينَةٍ » منونة ونصب « الكواكب » وفيه وجهان :
أحدهما : أن تكون الزنية مصدراً وفاعله محذوف بأن زين الله الكواكب في كونها مضيئةً حسنةً في أنفسها.
والثاني : أن الزينة اسم لما يزان به كاللِّيقَةِ اسم لما يُلاَقُ به الدَّوَاة فتكون الكواكب على هذا منصوبة بإضمار أعني أو يكون بدلاً من ( ال ) سَّمَاء الدُّنْيَا بدل اشتمال أي كواكبها أو من محل « بزينَةٍ » وحَمْزةُ وحفصٌ كذلك إلا أنهما خفضا الكواكب على أن يراد بزينة ما يزان به، والكواكب بدل أو بيان للزينة وهي قراءة مسروق بن الأجدع قال الفراء : وهو رد معرفة على نكرة كقوله :« بالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ » فرد نكرة على معرفة وقال الزجاج : الكواكب بدل من الزينة لأنها هي كقولك :« مَرَرْتُ بأَبِي عَبْد اللَّه زَيْدٍ » والباقون بإضالة زينَة إلى الكواكب وهي تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون إضافة أعم إلى أخص فتكون للبيان نحو : ثَوْبُ خَزَّ.
الثاني : أنها مصدر مضاف لفاعله أي بأن زَيَّنَتِ الكَوَاكِبُ السَّمَاءَ بضَوْئِهَا.
والثالث : أنه مضاف لمفعوله أي بأن زينها الله بأن جعلها مشرقة مضئية في نفسها وقرأ ابن عباس وابن مسعود بتنوينها وبرفع الكواكب فإن جَعَلْتَهَا مصدراً ارتفع الكواكب به، وإن جعلتها اسماً لما يزان به فعلى هذا ترفتع « الكواكب » بإضمار مبتدأ أي هي الكواكب. وهي في قوة البدل ومنع الفراء إعمال المصدر المنون ورغم أنه لم يُسْمعْ وهو غلط لقوله تعالى :﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾ [ البلد : ١٤ ] كما سيأتي إن شَاءَ اللَّهُ. قوله :« وَحِفْظاً » منصوب على المصدر، بإضمار فعل أي حَفِظْنَاهَا حِفظاً، وإما على المفعول من أجله على زيادة الواو والعامل فيه زَيَّنَّا أو على أن يكون العامل مقدراً أي لحِفْظِهَا زَيَّنَّا أو على الحمل على المعنى المتقدم أي : إنا خلقنا السماء الدينا زينةً وحفظاً، و « مِنْ كُلّ » ويجوز أن يكون صفةً « لِحفْظاً » قال المبرد : إذا ذكرت فعلاً ثم عطفت عليه مصرد فعل آخر نصبت المصدر لأنه قد دل على فعله كقولك : أفْعَلُ وكَرَامَةً لما قال أفعل علم أن الأسماء لا تعطف فكان المعنى أفْعَل ذَاكَ واُكْرِمُكَ كَرَامَةً.
فصل
قال ابن عباس « زينا السماء الدينا » بضوء الكواكب « وحفظناها من كل شيطان مارد » متمرد يرمون بها، وتقدم الكلام على المارد عن قوله :﴿ مَرَدُواْ عَلَى النفاق ﴾ [ التوبة : ١٠١ ] واعمل أنه تعالى بين أنه زين السماء لمنفعتين :
إحداهما : تحصل الزينة.
والثانية : الحفظ من الشيطان المارد.
فإن قيل : ثبت في علم الهيئة أن هذه الكواكب الثوابت مركوزة في الكرة الثامنة وأن السيارات مركوزة في الكرات السِّتَّةِ المحيطة بسماء الدنيا فكيف يصح قوله : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب؟.