وقال مقاتل : والله لقد كدتَ أن تُغْويَنِي ومن أغوى إنساناً فقد أهلكه، والرَّدَى الهلاك أي لتهلكني بدعائك إيَّاي إلى إنكار البعث والقيامة ﴿ وَلَوْ لاَ نِعْمَةُ رَبِّي ﴾ أي رحمة ربي وإنعامه عليّ بالإسلام ﴿ لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ معك في النار ولما تمم الكلام مع قرينه الذي هو في النار عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة وقال :﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾ قال بعضهم : إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم الجنة أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كَبْشٍ أمْلَحَ وذُبحَ يقول أهل الجنة للملائكة :« أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ » ؟ فتقول الملائكة : لا فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون. وعلى هذا فالكلام حصل قبل ذبح الموت وقيل : إن الذي تكاملت سعادته إذا عظم تعجُّبُهُ بها يقول ذلك. والمعنى أهذا لي على جهة الحديث بنعمة الله عليه وقيلي : يقوله المؤمن لقرينِهِ توبيخاً له بما كان ينكره.
قوله :﴿ بِمَيِّتِينَ ﴾ قرأ زيدٌ بنُ علي بمَائِتين وهما مثل ضَيِّق، وضاَئِق كما تقدم، وقوله « أَفَمَا » فيه الخلاف المشهور، فقدَّره الزمخشري أَنَحْنُ مُخَلَّدُونَ مُنَعَّمُونَ فما نحن بميتين وغيره يجعل الهمزة متقدمة على الفاء.
قوله :﴿ إِلاَّ مَوْتَتَنَا ﴾ منصوب على المصدر، والعامل فيه الوصف قبله، ويكون استثناء مُفرّغاً وقيل : هوا ستثناء منقطع أي لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا وهذا قريب في المعنى من قوله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] وفيها هناك بحث حسن.
قوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم ﴾ وهذا قول أهل الجنة عند فراغهم من ( هذه ) المحادثات. وقوله :﴿ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون ﴾ قيل : إنه من بقية كلامهم، وقيل : إنه ابتداء كلام من الله تعالى اي لمثل هذا النعيم الذي ذكرناه.