السابع : قال ابن الخطيب : قال بعضم ذلك القول عن إبراهيم- عليه ( الصلاة و ) السلام - كذباً وأوردوا فيه حديثاً عن النبي - ﷺ - أنه قال :« مَا كَذَبَ غبْرَاهِيمُ إلاَّ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ ».
قلتُ : لبعضهم : هذا الحديث لا ينبغي أن ينقل لأن فيه نسبه الكذب ( إلى إبراهيم فقال ذلك الرجل فكيف نحكم بكذب الرَّاوِي العدل؟ ) فقلت : لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبة الكذب إلى الخليل عليه ( الصلاة و ) السلام كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى. ثم نقول : لِمَ لاَ يجوز أن يكون المراد من قوله :﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم ﴾ أي في نجوم كلامهم ومتفرَّقات أقوالهم، فإن الأشياء التي تحدث قطعة قطعة يقال : إنها مُنَجَّمة أي متفرقة. ومنه نَجَمْتُ الكِتَابَةَ، والمعنى : أنه لما جمع كلماتهم المتفرقة نظر فيها حتى يسخرج منها حيلة يقدر بها على إقامة عذر لنفسه في التخلف عنهم، فلم يد عذراً أحسن من قوله :﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ ؛ ( والمراد : أنه لا بدّ من أن أصير سقيماً كما تقول لمن رأيته يتجهز للسفر : إنك مسافر، ولما قال : إني سقيم ) تَوَلَّوا عنهم مدبرين وتركوه، وعذروه في عدم الخروج إلى عيدهم.
قوله :﴿ فَرَاغَ ﴾ أي مال في خفية، وأصله من رَوَغَانِ الثعلب، وهو تردده وعدم ثبوته بمكان، ولا يقال : رَاغَ حتى يكون صاحبه مخفياً لذهابه ومجيئه، فقال استهزاء بها :﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ يعين الطعام الذي كان بين أيديهم ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ ﴾ قاله أيضاً استهزاء، فراغ عليهم مال عليهم مستخفياً.
قوله :﴿ ضَرْباً ﴾ مصدر وقاع موقع الحال أي فراغ عليهم ضارباً، أو مصدر لفعل ذلك الفعل حال تقديره فراغ يَضْرِبُ ضَرْباً أو ضمن راغ معنى « يضرب » وهو بعيد، و « باليَمِينِ » متعلق « بضَرْباً » إن لم تجعله مؤكداً وإلا فلعامله واليمين يجوز أن يراد بها إحدى اليدين وهو الظاهر وأن يراد بها القوة، فالباء على هذا للحال أي ملبساً بالقوة، وأن يراد بها الحَلِف وفاءً، بقوله :﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ٥٧ ] والباء على هذا للسبب وعدي « راغ » الثاني « بعلى » لما كان مع الضرب المستولي عليهم من فوقهم إلى أسفلهم بخلاف الأول فإنه مع توبيخ لهم، وأتى بضمير العقلاء في قوله :« عَلَيْهِمْ » جرياً على ظن عبدتها أنها كالعُقَلاَءِ.
قوله ( تعالى ) :﴿ يَزِفُّونَ ﴾ حال من فاعل « أقْبَلُوا » و « إلَيْهِ » يجوز تعلقه بما قبله أو بما بعده، وقرأ حمزة يُزِقُّونَ بضم الياء من أَزَفَّ وله معنيان :
أحدهما : أنه من أزف يُزِفّ أي دخل في الزفيف وهو الإسراع، أو زِفاف العَرُوس، وهو المشى على هَيْئَةٍ؛ لأن القوم كانوا في طمأنينة من أمرهم، كذا قيل.


الصفحة التالية
Icon