﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ في كِبَرِهِ ففيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش وينتهي إلى سنَّ يُوسُفَ بالحِلْم، وأيّ حلم أعظم من أنه عرض عليه أبوه الذبح فقال ﴿ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾ ؟!.
قوله :﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ﴾ ( مَعَهُ « متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأن قلائلاً قال : مَعَ ( مَنْ ) بلغ السعي؟ فقيل : مع أبيه ولا يجوز تعلقه » ببَلَغَ « ؛ لأنه يقتضي بلوغهما معاً حدّ السعي؛ ولا يجوز تعلقه بالسعي لأنه صلة المصدر لا تتقدم عليه، فتعين ما تقدم. قال معناه الزمخشري ومن يتسع في الظرف يجوز تعلقه بالسَّعِي.
فصل
قال ابن عباس وقتادة : معنى بلغ السعي أي المشي معه إلى الجبل، قال مجاهد عن ابن عباس : لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم والمعنى أن ينصرف معه ويعينه في علمه قال الكلبي : يعني العمل لله. وهو قول الحسن؛ ومقاتل وابن حبان وابن زيد قالوا : هو العبادة واختلفوا في سنه، فقيل : كان ابنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سنةً، وقيل : كان ابنَ سَبْعِ سِنينَ.
قوله :﴿ إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ قال المفسرون : لما بُشِّر إبراهيم - عليه ( الصلاة و ) السلام- بالولد قبل أن يولدَ له فقال : هو إذن لله ذبيح، فقيل لإبراهيم : قد نذرَت نذراً فأوف بنذرك فلما أصبح قال يا بُنَيَّ : إنّ أَرَى فِي المَنَام أَنِّي أَذْبَحَكُ، وقيل : رأى في ليلة التروية في منامه كأن قائلاً يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى في لك من الصباح إلى الرَّوَاح، أمِنَ الله أو من الشيطان؟ فلذا سمي يومَ التروية، فلما رأى ذلك أيضاً عرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عَرَفَةَ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهمَّ بالنحر فسمي يوم النَحْر. وهو قول أكثر المفسرين. وهذا يدل على أنه رأى في المنام ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقضة، وعلى هذا فتقدير اللفظ رأى في المنام ما يُوجب أَنِّي أذْبَحُكَ.
فصل
اختلفوا في الذبيح، فقيل : إِسْحَاق. وهو قول عمر، وعليِّ، وابن مسعود، والعباد بن عبد المطلب، وكعب الأحبار، وقتادة، وسعيد بن جبير، ومسروق، وعكرمة والزهري، والسدي، ومقاتل، وهي رواية عكرمة، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس. وقالوا : وكانت هذه القصة بالشام وقيل : إنه إسماعيل وهو قول ابن عباس وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ومجاهد، والكلبي، والربيع بن أنس، ومحمد بن كعب القرظي وهي رواية عطاء بن أبي رباح ويُوسف بن ( مِهْرَانَ ) عن ابن عباس، وكذا القولين رُويا عن رسول الله - ﷺ - واحتجَّ القائلون بأنه إسماعيل بقوله عليه ( الصلاة و ) والسلام :» « أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْن » وقال له أعرابي : با ابْنَ الذَّبِيحَيْن فتبسم النبي - ﷺ - فسئل عن ذلك فقال :« إنّ عبد المطلب لما حَفَر بئْر زَمْزَم نَذّرَ إنْ سهل الله أمرها ليذبحن أحَدَ وَلَده، فخرج السَّهم على عبدِ الله فمنعه أخواله وقالوا له : افْد ابنك بمائةٍ من الإبل ». والذبيح الثاني إسماعيل «