قوله :« مِنْ رَبِّكَ » حال من « الحَقِّ » والعامل فيه محذوف على القاعدة وهو العامل في « لِتُنْذِرَ » ويجوز أن يكون العامل في :« لتنذر » غيره أي أنْزَلَهُ لِتُنْذِرَ.
قوله :﴿ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ ﴾ الظاهر أن المفعول الثاني للإنذار محذوف، و « قوماً » هو الأول، إذ التقدير : لتنذر قوماً العقابَ و « مَا أتَاهُمْ » جملة منفية في محل نصب صفة « لقوماً » يريد الذين في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام. وجعله الزمخشري كقوله :﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ ﴾ [ يس : ٦ ] فعلى هذا يكون « من نذير » هو فاعل « أَتَاهُمْ » و « من » مزيدة فيه و « مِنْ قَبْلِكَ » صفة « لِنَذير »، ويجوز أن يتعلق « مِنْ قَبْلِكَ » « بأَتَاهُمْ ». وجوز أبو حيان أن تكون « ما » موصولة في الموضعين والتقدير : لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك و « مِنْ نَذِيرٍ » متعلق « بأَتَاهُمْ » أي أتاهم على لسان نذير من قبلك وكذلك ﴿ لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم ﴾ أي العقاب الذي أنذرَهُ آباؤُهُمْ، « فما » مفعولة في الموضعين، و « أنذر » يتعدى إلى اثنين قال الله تعالى :﴿ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً ﴾ [ فصلت : ١٣ ] وهذا القول جارٍ على لظواهر القرآن قَالَ تَعَالَى :﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [ فاطر : ٢٤ ] ﴿ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾ [ المائدة : ١٩ ] هذا الذي قال ظاهر، ويظهر أن في الآية الأخرى وجهاً آخر وهو أن تكون « ما » مصدرية تقديره لتنذر قوماً إنذَار آبائهم لأن الرسل كُلَّهُمْ متفقون على كلمة الحق.

فصل


المعنى بل هو يعني القرآن الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبْلِكَ. قال قتادة : كانوا أمةً لم يأتهم نذير قبل محمد - ﷺ - ( قال ابن عباس ومقاتل : ذاك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد - ﷺ - ) « لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ».
قوله :﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ لما ذكر الرسالة، وبين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل فقال :﴿ خَلَقَ السماوات والأرض ﴾، ( واللَّهُ مبتدأ، وخبره « الَّذِي خَلَقَ » يعني الله هو الذي خلق السموات ) ولم يخلقها إلا واحد فلا إله إلا واحدٌ. وقد تقدم الكلام في معنى قوله « ستة أيام ».


الصفحة التالية
Icon