قوله :﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين ﴾ قرأ العامة إلياس بهمزة مكسورة همزة قطع، وابن ذكوان بوصلها، ولم ينقلها عنه أبو حيان بل نقلها عن جماعةٍ غيره، ووجه القراءتين أنه اسم أعجمي تلاعبت به العرب فقطعت همزته تارة وصلتها أخرى، وقالوا فيه إلياسين كجبرائين، وقيلك تحتمل قراءة الوصل أن يكون اسمه ياسين ثم دخلت عليه « أل » المعرفة كما دخلت على « يَسَعَ » ؛ وقد تقدم وإلياسُ هذا قيلك ابن ( إِل ) ياسين المذكرو بعد ولد هارون أخي موسى، وقال ابن عباس هو ابن عم اليَسَعَ وقال ابن إسْحَاقَ : هو الياس بن بشير بن فِنْحَاص بن العيران بن هارون بن عمران، ووري عن عبد الله بن مسعود قال : إلياس هو إدريس وفي مصحفه « وَإنَّ إِدْريس لَمِنَ المُرْسَلِينَ » وبها قرأ عبد الله والأعمش وابن وثاب، وهذا قول عكرمة، وقرئ إدْرَاسِ ( يل ) وإبراهيم وإبراهام، وفي مصحف أبي قراءته وإن أَيلِيسَ بهمزة مكسورة ثم ياء ساكنة بنقطتين من تحت ثم لام مكسورة ثم ياء بنقطتين من تحت ساكنة، ثم سين مفتوحة مهملة.
قوله :﴿ إذ قال ﴾ ظرف لقوله « لَمِنَ المُرْسَلِينَ » والتقدير : اذكر يا محمد لقومك إذ قال لقومه : أَلاَ تَتَّقُونَ أي لا تخافون الله ولما خوفهم على سبيل الاحتمال ذكر ما هو السبب لذلك التخويف فقال :﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين ﴾.
قوله :﴿ بَعْلاً ﴾ القراء على تنوينه منصوباً وهو الربّ بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلاً منهم يُنْشِد ضَالَّةً فقال آخر : أنا بَعْلُها، فقال : الله أكبر وتلا الآية ويقال : مَنْ بَغْلُ هذه الدار؟ أي مَنْ رَبُّها؟ وسمي الزوج بعلاً لهذا المعنى، قال تعالى :﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ]، وقال :﴿ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ] فعلى هذا التقدير : المعنى أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله تعالى وقيل : هو علم لصنَم بعينه، وقيل : هو علم لامرأة بعينها أتتهم بضلالٍ فاتبعوها ويؤده قراءة من قرأ :« بَعْلاَء » بزنة حمراء.
قوله :﴿ وَتَذَرُونَ ﴾ يجوز أن يكون حالاً، على إضمار مبتدأ، وأن يكون عطفاً على « تَدْعُونَ » فيكون داخلاً في حيِّز الإنكار.
قوله :﴿ الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ ﴾ قرأ الأخَوَانِ بنصب الثلاثة من ثلاثة أوجه : النصب على المدح أو البدل أو البيان إن قلنا : إنَّ إضافة « أفعل » إضافة محضة، والباقون بالرفع إمَّا على أنه خبر ابتداء مضمر أي هو الله، أو على أن الجلالة مبتدأ وما بعده الخبر روي عن حمزة أنه كان إذا وصل نصب، وإذا وقَفَ رفع. وهو حَسَنٌ جداً وفيه جمع بين الرِّوَايَتَيْنِ.
فصل
قال المفسرون : لما قَبَضَ الله حِزْقِيلَ عليه ( الصلاة و ) السلام- عَظُمَت الأحداثُ في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشك وعبدوا الأوثان من دون الله - تعالى - فبعث الله إليهم إلياس نبيُّا، وكانت الأنبياء من بني إسرائيلن يبعثون من بعد موسى بتجديد ما نَسُوا من التوراة وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام، وسبب ذلك أن يُوشَع بْن نُون لما فتح الشام بوّأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأحل سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان من هم إلياس فبعثه الله إليهم نبياً وعليهم يومئذ ملك يقال له أحب قد أضلّ قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام وأن يعبد هو وقومه صنماً يقال له بَعْل وكان طوله عشرينَ ذارعاً وله أربعةُ أوجه فجعل إلياس يدعوهم إلى الله - عَزَّ وَجَلَ - وهم لا يسمعون إلى ما كان من الملك فإنه صدقه وآمن به ثم ذكروا قصة طويلة وذكروا في آخرها ان إلياس رفع إلى السماء وكساه الله الرِّيش وقطع عنه لِذَّة المطعم والمشرب فكان إنسيًّا ملكياً أرضياً سمائياً، قال ابن أبي دُؤَادَ : إنَّ الخضر وإلياسَ يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم في كل عام.