وروي أن يونس لما ابتلعه الحوت ابتلغ الحوتَ حوتٌ آخرُ أكبرُ منه فلما استقر في جَوْف الحُوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هي حَيٌّ فَخرَّ ساجداً وقال : يار رب اتخذت لك مسجداً لم يعبدك أحد في مثله.
قوله :﴿ فَنَبَذْنَاهُ ﴾ أضاف النبذ إلى نفسه مع أن ذلك النبذ إنما حصل بفعل الحوت وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى وقوله :﴿ بالعرآء ﴾ أي في العراء نحو : زَيْدٌ بِمَكَّةَ.
والعراء : الأرض الواسعة التي لا نباتَ بها و مَعْلَم اشتقاقاً من العُري وهو عدم السُّترة وسميت الأرض الجرداء بذلك لعدم استتهارها بشيء والعَرَى بالقصر الناحية ومنه اعْتَرَاهُ أي قصد عَرَاهُ. وأما الممدود فهو كما تقدم الأرضُ الفَيْحَاءُ قال :
٤٢٢٥- وَرَفَعْتُ رِجْلاً لاَ أَخَافْ عِثَارَهَا | ونَبَذْتُ بالمَتْنِ العَرَاءِ ثِيَابِي |
قال البغوي : المراد هنا القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة اتسعت وسترت فهي يقطين «.
واعلم أن في قوله :» شجرة « ما يرد قول بعضهم أن الشجرة في كلامهم ما كان لها ساق من عود بل الصحيحُ أنها أعم، ولذلك بُيِّنَتْ بقوله :» مِنْ يَقْطين «، وأما قوله :﴿ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ ﴾ [ الرحمن : ٦ ] فلا دليل فيه لأنه استعمال اللفز العام في أحد مدلولاته.
وقيل : بل أنبت الله اليقطين الخاص على ساق معجزةً له، فجاء على أصله قال الواحدي : الآية تقتضي شيئين لم يذكرهما المفسرون :
أحدهما : أن هذا اليقطين لم يكن فأنبته الله لأجله، والآخر : أن اليقطين مغروس ليحصل له ظل، ولو كان منبسطاً على الأرض لم يكن أن يستظل به وقال مقاتل بن حَيًّان : كان يونس يستظلّ بالشجرة وكانت وَعْلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بُكْرةً وعشيًّا حتى اشتد لحمه ونَبَتَ شَعْرُهُ.
وقال ههنا :» فنبذناه بالعَرَاءِ « وقال في موضع آخر :﴿ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بالعرآء وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ [ القلم : ٤٩ ] ولكنه تداركه النعمة فنَبَذَهُ وهو غير مذموم.
فصل
قال شهاب الدين : ولو بنيت من الوعد مثل يقطين لقلت : يَوْعِيدٌ، لا يقال بحذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة كيَعِيدُ مضارع » وَعَدَ « لأن شرط تلك الياء أن تكون للمضارعة، وهذه مما يمتحن بها أهل التريف بعضُهْم بعضاً.