ومنه حديث ابن عمر وسأله رجل من عثمان فذرك مناقبهُ ثم قال :« اذْهَبْ تَلاَنَ إلَى أَصْحَابِكَ » يريد « الآن » والمصاحف إنما هي لات حين. وحمل العامة ما رآه على أنه مما شذ عن قياس الخط كنَظَائِرَ له مرت. فأما البيت فقيل فيه : إنه شاذ لا يلتفت إليه وقيل : إنه إذا حذف الحين المضاف إلى الجملة التي فيها « لات حين » جاز أن يحذف ( لا ) وحدها ويستغنَى عنها بالتاء، والأصل : العاطفُونَ حِينَ لاَتَ حِينَ لاَ من عاطف، فحذف الأول ولا وحدها كما أنه قد صرح بإضافة حين إليها في قوله الآخر :_@_
٤٢٣٩- وَذَلِكَ حِينَ لاَتَ أَوَانِ حِلْمٍ
..........................
ذكر هذا الوجه ابن مالك؛ وهو متعسف جداً وقد يقدر إضافة « حين » إليها من غير حذف لها كقوله :
٤٢٤٠- تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لاَتَ حِينَا
..............................
أي حين لات حين. وأيضاً فكيف يصنع أبو عبيدة بقوله :« وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ، ولات أوانِ » فإِنه قد وجدت التاء من « لا » دُونَ حِينَ؟!
الوجه الثاني من الأوجه السابقة : أنها عالمة عمل « أن » يعني أها نافية للجِنْس فيكون « حِينَ مَنَاصٍ » اسمها، وخبرها مقدر تقديره ولات حِينَ مَنَاصٍ لَهُمْ، كقولك : لاَ غُلاَمَ سَفَرٍ لَكَ. واسمُها معربٌ لكونه مضافاً.
الثالث : أنّ بعدها فعلاً مقدّراً ناصباً حلين مناص بعدها أي لات أرى حينَ مناص لهم بمعنى لَسْتُ أرى ذلك، ومثله :« لاَ مَرْحَباً بِهِمْ ولا أهْلاً ولا سَهْلاً » أي لا أتوا مرحباً ولا وَطِئُوا سهلاً ولا لَقُوا أهلاً.
وهذا الوجهان ذهب إليهما الأخفش وهما ضعيفان وليس إضمار الفعل هنا نظير إضماره في قوله :
٤٢٤١- ألاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً
............................
لضرورة أن اسمها المفرد النكرة مبني على الفتح فلما رأينا هنا معرباً قدرنا له فعلاً خلافاً للزجَّاج فإنه يجوز تنوينه في الضرورة ويدعي أن فتحته للإِعراب، وإنما حذف التنوين لتخفيف ويَسْتَدِلُّ بالبيت المذكور وقد تقدم تحقيق هذا.
الرابع : أن لات هذه ليست هي ليس فأبدلت السين تاء، وقد أبدل تمنها في مواضع قالواك النَّاتُ يريدون الناسَ ومنه سُتٌّ وأصله سُدْسٌ، وقال :
٤٢٤٢- يَا قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي السَّعْلاَتِ
عَمْرٌو بْنُ يَرْبُوع شِرار النَّاتِ
لَيْسُوا بأخْيَارٍ وَلاَ أَليَاتِ... وقرئ شاذاً :« قل أعوذُ بربِّ النّاتِ » إلى آخرها [ الناس : ١-٦ ] يريد شِرار الناسِ ولا أكياس فأبدل، ولما أبدل السين تاءً خاف من التباسها بحرف التمني فقلب الياء ألفاً فبقيت تاء « لات » وهو من الاكتفاء بحرف العلة، لأن حرف العلة لا يبدل ألفاً إلاّ بشرطٍ منها أن يتحركَ، وأن ينفتحَ ما قبله فيكون « حين مناص » خبرها والاسم محذوف على ما تقدم والعملُ هنا بحقِّ الأصالةِ لا الفرعيَّةِ.
الصفحة التالية