وقيل : المعنى أولئك الأحزاب مع كمال قوّتهم لما كان عاقبتهم هي الهلاك والبوار فكيف حال هؤلاء الضعفاء ( المساكين ) ؟
قوله :﴿ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل ﴾ إن نافية ولا عمل لها هنا البتة ولو على لغة من قال :
٤٢٥٧- إنْ هُوَ مُسْتوْلِياً عَلَى أَحَدٍ | ..................... |
فصل
المعنى كل هذه الطوائف لما كذبوا أنبياءهم في الترغيب والترهيب لا جرم نزل العقاب عليهم وإن كان ذلك بعد حين، والمقصود منه زجر السامعين. ثم بين تعالى أن هؤلاء المذكبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم ﴿ وَمَا يَنظُرُ هؤلاءآء ﴾ أي وما نتظر هؤلاء يعني كفار مكة ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾ وهي نفخة الصور الأولى كقوله :﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [ يس : ٤٩-٥٠ ] والمعنى أنهم وإن لم يذوقوا عذابي في الدنيا ينتظر الشيء فهو ماد الطَّرْف إليه يقطع كل ساعة في حضوره. وقيل : المراد بالصيحة عذاب يفجأهُمْ ويجيئهم دَفْعةً واحدة كما يقال : صَاحَ الزمانُ بهم إذَا هَلَكُوا ( قال ) :
٤٦٥٨- صَاحَ الزَّمَانُ بآلِ بَرْمَكَ صَيْحَةً | خَرُّوا لِشدَّتِهَا عَلَى الأّذْقَانِ |
قوله :﴿ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾ يجوز أن يكون « لها » رافعاً « لِمنْ فَوَاقٍ » بالفاعلية؛ لاعتماده على النفي، وأن يكون جملة من مبتدأ وخبر وعلى التقديرين فالجملة المنفية في محل نصب صفة « لصَيْحَة » و « من » مزيدة وقرأ الأخوان :« فُوَاق » بضم الفاء، والباقون بفَتْحها، قال الكسائيُّ والفراءُ وأبو عبيدة : هما لغتان وهما الزمان الذي بين حَلْبَتَي الحَالِبِ، ورَضْعَتَي الرَّاضع، والمعنى ما لها من توقف قدر فواق ناقة.
وفي الحديث :« العِيادَةُ قَدْر فَوَاق نَاقَةٍ » وهذا في المعنى كقوله :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ﴾ [ الأعراف : ٣٤ ].
وقال ابن عباس : ما لها من رُجُوع من أفاقَ المريضُ إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يقال : أَفَاقَتِ النَّاقَةُ تُفِيقُ إفاقة رجَعَت الفِيقَةُ في ضَرعها، والفِيقةُ اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، ويجمع على أفواق وأما أفاويق فجمع الجمع، ويقال : ناقة مُفِيقٌ ومُفِيقَةٌ.
وقال الفراء وأبو عُبَيْدَة ومؤرّج السّدوسيّ : الفواق بالفتح الإفاقة والاسْتِراحة كالجواب من الإجابة وهو قول ابن زيدٍ والسُّدِّيِّ.
وأما المضموم فاسم لا مصدر أي اسم لما بين الحَلْبَتَيْن، والمشهور أنهما بمعنى واحد كقَصَاصٍ الشّعر وقُصاصِهِ وجَمَام المَكُور وجُمَامِهِ، فالفتح لغة قريش، والضم لغة تميم قال الواحدي : الفَوَاق والفُواق اسمان من الإفاقة والإفاقة معناها الرجوع والسكون كما في إفاقة المريض إلا أن الفَوَاق بالفتح يجوز أن يُقَام المصدر، والفُواق بالضم اسم لذلك الزمان، الذي يعوج فيه اللبن، وروي الواحدي في البسيط عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - أنه قال في هذه الآية : يأمر الله تعالى إسرافيل فينفخ نفخة الفزع قال : فَيمدّها ويطولها وهي التي يقول ما لها من فواق، ثم قال الواحدي : وهذا يحتمل معنيين :
أحدهما : ما لها من سكون.