الرابع : أن ينتصب بالخصم؛ لما فيه من معنى الفِعْل.
قوله :« إذْ دَخَلُوا » فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من « إذ » الأُولَى.
الثاني : أنه منصوب بتَسَوَّرُوا.
ومعنى تسوروا عَلَوْ أَعْلَى السّور، وهو الحائط غير مهموز كقولك : تَسَنَّم البَغِيرَ أي بَلَغَ سَنَامَهُ. والضمير في « تَسَوَّرُوا » و « دَخَلُوا » راجع على الخصم، أنه جمع في المعنى على ما تقدم، ( أو على أنه مثنًّى والمثنى جمع في المعنى وتقدم ) تحقيقه.
قوله :﴿ خَصْمَانِ ﴾ خبر مبتدأ مضمر أي نَحْنُ خَصْمَانِ ولذلك جاء بقوله :﴿ بَعْضُنَا ﴾، ومن قرأ « بعضهم » بالغيبة يجوز أن يقدره كذلك ويكون قد راعى لقظ : خَصْمَان، ويجوز أن يقدرهم خَصْمَان ليتطابق وروي عن الكسائي خِصْمَانِ بكسر الخَاء وقد تقدم أنه قرأها كذلك في الحَجِّ.
قوله :﴿ بغى بَعْضُنَا ﴾ جملة يجوز أن تكون مفسِّرة لحالهم، وأن تكون خبراً ثانياً.
فإن قيل : كيف قالا : بغى بعضنا على بعض وهما مَلَكَان - على قول بعضهم- والملكان لا يبغيان؟ قيل : معناه أرأيت خَصْمَيْن بَغَى أحَدُهُما على الآخر، وهذا من مَعَارِيضِ الكلام لا على تحقيق البغي من أحدهما.
قوله :﴿ فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ العامة على ضم التاء وسكون الشين، وضم الطاء الأولى من ( أ ) شْطَطَ يُشْطِطُ إشْطَطاً إذا تجاوز الحق قال أبو عبيدة : شَطَطْتُ في الحكم وأَشْطَطْتُ إذا جُرْت؛ فهو مما اتفق فيه فَعَلَ وأَفْعَلَ، وإنما فكَّهُ على أحد الجائزين كقوله :﴿ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] وقد تقدم تحقيقه. وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن أبي عبلة تَشطُطْ بفتح التاء وضم الطاء من « شَطّ » بمعنى « أَشَطَّ » كما تقدم.
وقرأ قتادة : تُشِطّ من « أَشَطَّ رباعياً إلا أنه أدغم وهو أحد الجائزين كقراءة من قرأ » مَنْ يَرْتَدَّ منْكُمْ « وعنه أيضاً تُشَطِّطْ » بفتح الشين وكسر الطاء مشددة من شَطَّط يشطِّطُ. شَطَّتِ الدَّارُ وأَطَّتْ إذا بَعُدَتْ وَاهْدِنَا إلَى سَوَاء الصِّرَاطِ « أَرْشِدْنَا إلى طريق الصواب فقال لهما داود : تَكَلَّمَا فقال أحدهما :» إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً « يعني امرأة » وَلِيَ نعْجَةٌ وَاحِدَةٌ « أي امرأة واحدة.
قوله :﴿ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ ﴾ العامة على كسر التاء وهي اللغة الفاشية، وزيد بن عليّ والحسنُ بفتحها وهي لُغَيَّةٌ لبعض تميم، وكثر في كلامهم الكناية بها عن المرأة قال ابن عَوْن :
٤٢٦٢- أَنَا أَبُوهُنَّ ثَلاَثٌ هُنَّةْ رَابِعَةٌ فِي الْبَيْتِ صُغْرَاهُنَّهْ... وَنَعْجَتِي خَمْساً تُوَفِّيهُنَّهْ
وقال آخر :
٤٢٦٣- هُمَا نَعْجَتَانِ مِنْ نِعَاجِ تِبَالَةَ... لَدَى جُؤْذُرَيْنِ أَوْ كَبَعْضِ دُمَة هَكِرْ
قال الحسين : بن الفضل : هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي كقولهم : ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً، أو اشْتَرَى بَكْرٌ دَاراً. ولا ضَرْب هناك ولا شِرَاء.
قال الزمخشري :»
أخِي « بدل من » هذا « وقر عبد الله :» تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة أُنْثَى « وهذا تأكيد كقوله :


الصفحة التالية
Icon