وأما الصفة الثانية فإنه وصفه بكونه عبداً له، وقد بينا أن المقصود من هذا الوصف بيان كون ذلك الموصف كاملاً في وصف العبودية أما في القيام بأداء الطاعات والاحتراز عن المحضورات، فلو قلنا : إن داود اشتغل بتلك الأعمال الباطلة فحينئذ ما كان داود كاملاً إلاَّ في طعة الهوى والشهوة. وأما الصفة الثالثة وهي قوله :﴿ ذَا الأيد ﴾ [ ص : ١٧ ] أي ذا القوة ولا شك أن المراد منه القوة في الدين لأن القوة في غير الدين كانت موجودة في ملوك الكفار، ولا معنى للقوة في الدين إلا القوة الكاملة في أداء الواجبات والاجتناب عن المحضورات، وأي قولة لمن لم يملك نفسه عن القتل والرغبة في زوجة المسلم؟! الصفة الرابعة : كونه أوَّاباً كثيرَ الرجوع إلى الله تعالى فكيف يليق هذا بمن قلبه مشغوفٌ بالقتل والفجور؟! الصفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ﴾ أفترى أنه سخرت له الجبال ليتخذوا سبيله إلى القتل والفجور؟! الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿ والطير مَحْشُورَةً ﴾ قيل : إنه كان محرَّماً عليه صيد شيءْ من الطير فكيف يعقل أن يكون الطير آمناً منه ولا يجوز أمن الرجل المسلم على زوجته ومنكوحه الصفة السابعة : قوله تعالى :﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ ومحال أن يكون المراد أنه تعالى : شد ملكه بأسباب الدنيا بل المراد بأنا ملكناه تقوى الدين وأسباب سعادة الآخرة، أو المراد تشديد ملكه في الدين والدنيا ومن لايملك نفسه عن القتل والفجور كيف يليق به ذلك؟! الصفة الثامنة : قوله تعالى :﴿ وَآتَيْنَاهُ الحكمة وَفَصْلَ الخطاب ﴾ ( والحكمة اسم جامع لك ما ينبغي علماً وعملاً فكيف يجوز أن يقال : إِنَّا آتَيْنَاهُ ) الحكمة وفصل الخطاب مع إصراره على ما يستنكف عنه الشيطان من مُزاَحَمَة أخصِّ أصحابه في الروح والمنكوح؟! فهذه الصات التي وصف بها قبل شحر القصَّة.
وأما الصفات المذكورة بعد ذكر القصة فأولها قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ وهذا الكلام إنما يناسب لو دلت القصة المتقدمة ( على قوته في طاعة الله أما لو كانت القصة المتقدمة ) دالة على سعيه في القتل والفجور لم يكن قوله :﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ لائقاً.
وثانيها : قوله تعالى :﴿ ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ﴾ وهذا يدل على كذب تلك القصة من وجوه : الأول : أن الملك الكبير إذا حُكِي عن عبده أنه قصد دماء الناس وأموالهم وأزواجهم فعند فراغه من شرح قصته على الناس يقبح منه أن يقول عقيبة أيها العبد إنّي فوضت إليك خلافتي ونبوتي لأن ذكر تلك القبائح والأفعال المنكرة يناسب الزجر والحجر فأما جعله نائباً وخليفة لنفسه فذلك مما ( لا ) يليق البتة.