وأما القراءة الثانية « فخَلَقَ » فيها فعل ماض، والجملة صفة للمضاف أو أو المضاف إليه فتكون منصوبة المحل أو مجرورته.
قوله :« وَبَدَأ » العاملة على الهمز. وقرأ الزُّهْرِيُّ « بَدَأ » بألف خالصة وهو خارج عن قياس تخفيفها إذ قياسه بَيْنَ بَيْنَ على أنَّ الأخفش حَكَى قريباً. وجوز أبو حيان أن يكون من لغة الأنصار، يقولون في « بَدَا » بكسرها وبعدها ياء كقول عبد الله بن رواحة الأنصاري.
٤٠٦٢ - بِاسْمِ الإِلَهِ وَبِهِ بَدِينَا | وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا |
فصل
﴿ ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة ﴾ يعني ذلك الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر « العَزِيرُ الرَّحِيمُ » لما بين أنه عالم ذكر أنه « عزيز » قادر على الانتقام من الكفرة « رَحِيمٌ » واسع الرحمة على البررة ﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه ﴾ أي أحسن خَلْقَ كلِّ شيء. قال ابن عباس : أتقنه وأحكمه وقال مقاتل : علم كيف يخلق كل شيء من قولك : فلانُ يُحْسِنُ كذا، إذا كان يعلمه. وقيل : خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض فكل حيوان كامل في خلقه حسن، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح معاشه. واعلم أنه تعالى لما ذكر الدليل على الوحدانية من الآفاق بقوله :﴿ خلق السموات والأرض وما بينهما ﴾ أتبعه بذكر الدليل الدال عليها من الأنفس فقال :﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ﴾ يعني آدم، ويمكن أن يقال : الطين ماء وتراب مجتمعان، والأأدمي أصله مَنِي، والمَنِي أصله غذاءٌ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ( والحيوانية ترجع إلى نباتية ) والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو الطين ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ ﴾ أي جعل ذريته من نطفة سميت سلالة؛ لأنها تَنْسَلُّ من الإنسان، هذا على التفسير الأول؛ لأن آدم كان من طين، ونسله من سلالة ﴿ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ أي ضعيف وهو نطفة الرجل « ثُمَّ سَوَّاهُ » سوى خلقه ﴿ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ يعني آدم؛ لأن كلمة « ثُمَّ » للتراخي فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة، وذلك بعد خلق آدم، ثم عاد إلى ذريته فقال :﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار ﴾ ( أي جعل لكم بعد أن كنتم نطفاً السمع والأبصار ) والأفئدة ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ يعني لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه، فقوله ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع ﴾ هذه التفات من ضمير ( غائب ) مفرد في قوله :« نَسْلَهُ » إلى آخره إلى خطاب جماعة.