﴿ فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ [ نوح١٠-١٢ ] وقال لمحمد عليه ( الصلاة و ) السلام :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة للتقوى ﴾ [ طه : ١٣٢ ].
فإن قيل : قول سليمان - عليه ( الصلاة و ) السلام- :« هَبْ لِي مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعدي » مشعر بالحسد.
فالجواب : أن القائلين بأن الشيطان استولى على مملكته قالوا معناه هو : أن يعطيه الله ملكاً لا يقدر الشيطان على أن يقوم فيه مقامه ألبتة، وأما المنكرون فأجوابوا بوجوه :
الأول : أن المُلْكَ هو القدرة فكان المراد أقدرنِي على أشياء لا يقدر عليها غيري ألبتة ليصير اقتداري عليها معجزة تدل على صحة نُبُوتي ورسالتي ويدل على صحة هذا قوله تعالى عقيبه :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ فكون الريح جارية بأمره قدرة عجيبة وملك دال على صحة نبوته لا يقدر أحد على معارضته.
الثاني : أنه - عليه ( الصلاة و ) السلام لما مرض ثم عاد إلى الصحة عرف أن خيرات الدنيا صائرة إلى التغيرات فسأل ربه ملكاً لا يمكن أن ينتقل عنّي إلى غيري.
الثالث : أنَّ الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها حالَ عَدَمِ القدرة فكأنه قال : يا إلهي أعطني مملكةً فائقةً على ممالك البشر بالكلية حتى أحْتَرِزَ عنها مع القدرة عليها ليصير ( ثوابي ) أكمل وأفضلَ.
الرابع : سأل ذلك ليكون علماً على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد عليه مُلْكَهُ وزاده فيه.
قوله :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً ﴾ لَيّنة أي رخوة لَيّنة، وهي من الرخاوة والريحُ إذا كانت لينة لا تزعزع ( ولا تمتنع عليه إذا كانت طيبة ).
فإن قيل : قد قال في آية أخرى :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ [ الأنبياء : ٨١ ].
فالجواب : من وجهين :
الأول : لا منافاة بين الآيتين فإن المراد أن تلك الريح كانت في قوة الرِّيح العاصفة إلا أنها لما أمرت بأمره كانت لذيذة طيبة وكانت رُخَاء.
الثاني : أن تلك الريح كانت لينة مرة وعاصفة أخرى فلا منافاة بين الآيتين.
قوله :﴿ حَيْثُ أَصَابَ ﴾ ظرف ل « تَجْرِي » أو لسَخَّرْنَا « و » أَصَابَ « أراد بلغة حِمْيَرَ.
وقيل : بلغة هَجَر وحكى الأصمعي عن العرب أنهم يقولون : أصاب الصواب فأخطأ الجواب.
وروي أن رجلين خرجا يقصدان »
رُؤْبَةَ « ليسألاه عن هذا الحرف فقال لهما : أين تصيبان فعرفاها وقالا هذه بغيتنا، وأنشد الثعلبيُّ على ذلك :

٤٢٧٤-أَصَابَ الْجَوَابَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَخْطَا الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصَلِ
أي أراد الجواب ويقال :» أصَابَ اللَّهُ بكَ خَيْراً « أي أراد بك وقيل : الهمزة في أصاب للتعدية من ( أَ ) صَابَ يَصُوبُ أي نزل، قال :


الصفحة التالية
Icon