الثالث : روي أن النبي - ﷺ - قال :« بَقِيَ أَيُّوبُ فِي البلاء ثمانِ عَشْرَةَ سنةً حتى رَفَضَه القريُ والبَعِيدُ إلاَّ رَجُلَيْن، ثم قال أحدهما لصاحبه : لقد أذنب أيوبُ فقال : لاَ أدْرِي ما تقولان غير أنني كنت أَمُر عَلَى الرجلين يتنازعان فيذكر أن الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأنفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالة إلا في حق ».
الرابع : قيل : إنّ امرأته كانت تخدم الناس وتأخذ منهم قدر القوت وتجيء به إلى أيوب فاتَّفق أنهم ما استخدموها ألبتة وطلب بعض الناس منها قطع إحدى ذُؤَابَتَيْهَا على أن تُعْطيها قدر القوت ففعلت، ثم في اليوم الثاني مثل ذلك فلم يبق لها ذؤابة وكان أيوب - عليه ( الصلاة و ) السلام- إذا أراد أن يتحرك على فراشه تعلق بتلك الذُّؤَابة فلما لم يجد الذؤابة وقعت الخواطر الرديئة في قلبه، فعند ذلك قال :﴿ مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾.
الخامس : روي أنه - عليه ( الصلاة و ) السلام - قال في بعض الأيام : يا رب لقد علمتَ أني ما اجتمع عليَّ أمران إلا آثرت طاعتك، ولما أعطيتني المالَ كنت للأرامل قيماً، ولابن السبيل معيناً ولليتامى أباً فنودي : يا أيوب ممِّن كان ذلك التوفيق؟ فأخذ أيوب التراب ووضعه على رأسه وقال : منك يا رب ثم خاف من الخاطر الأول فقال : مَسَّنِي الشيطان بنُصْبٍ وعذاب وذكر احوالاً أُخَرَ. والله أعلم.
قوله :﴿ اركض بِرِجْلِكَ ﴾ معناه أنه لما اشتكى مَسَّ الشَّيْطَان فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله بأن قال :﴿ اركض بِرِجْلِكَ ﴾ والرَّكْضُ هو الدفع القويُّ بالرجل. ومنه ركضَ الفَرَسُن والتقدير قُلْنَا له ارْكُضْ بِرِجْلِكَ قيل : إنه ضرب برجله تلك الأرض فنبعت عين، فقيل : هذا مغتسل باردٌ وشراب أي هذا ما تَغْتَسِلُ به فيبرأ ظاهرك وتشرب منه فيبرأ باطنك. وظاهر ( هذا ) اللفظ يدل على أنه نَبَعَت له عين واحدة من الماء فاغتسل منه، وشرب منه، والمفسرون قالوا : نَبَعَت له عَيْنَانٍ فاغتسل من إحْدَاهُما وشرب من الأُخْرَى فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله تعالى. وقيل : ضرب بِرجْلِهِ اليمين فنبعت عين حارّة فاغتسل منها ثم بالسرى فنبعت عينٌ باردة فشرب منها.
قوله :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ قيل : هم عين أهله وديراه « ومثلهم » قيل : غيرهم مثلهم، والأول أولى؛ لأنه الظاهر فلا يجوز العُدُولُ عنه من غير ضرورة ثم اختلفوا فقيل : أزلنا عنهم السَّقَم فأعيدوا أَصِحَّاء، وقيل : بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا عبد أن تفرقوا، وقيل : بل تمكن منهم وتمكنوا منه كما يفعل بالعِشْرَة والخِدْمَة.
قوله :﴿ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ الأقرب أنه تعالى ( متَّعه ) بصِحَّتِهِ وماله وقواه حتى كثر نسله وصاروا أهله ضعف ما كانوا وأضعاف ذلك. وقال الحسن : المراد بِهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هَلَكُوا.


الصفحة التالية
Icon