فصل


معنى الآية : ومَا لَنَا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخرياً لم يدخلوا معنا النَّار أم دخلو ( ها ) فزاغت أي فمالت عنهم أبصارنا فَلَمْ نَرَهُمْ حتى دخلوا.
وقيلي :( أم ) هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا، وقال ابن كيسان أم كانوا خيراً منا ونحن لا نعلم فكان أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدُهُّمْ شيئاً.
قوله :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ ﴾ أي الذي ذكرت لحق أي لا بدّ وأن يتكلموا به، ثم بين ذلك الذي حكاه عنهم فقال :﴿ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ﴾ العامة على رفع « تخاصم » مضافاً « لأهل » وفيه أَوْجُهٌ :
أحدها : أنه بدل من « لَحَقّ ».
الثاني : أنه عطفُ بيان.
الثالث : أنه بدل من « ذَلِكَ » على الموضع حكاه مكي وهذا يوافق قولَ بعضِ الكوفيين.
الرابع : أنه خبر ثانٍ ل « إنَّ ».
الخامس : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هُو تَخَاصُمُ.
السادس : أنه مرفوع بقوله :« لحَقّ » إلا أن أبا البقاء قال : ولو قيل : هو مرفوع « بحق » لكان بعيداً لأنه يصير جملة ولا ضمير فيها يعود على اسم « إنّ »، وهذا رد صحيح. وقد يجاب عنه بأن الضمير مقدر أن لحقٌّ تَخَاصُم أهل النار فِيهِ، كقوله :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ [ الشورى : ٤٣ ] أي مِنْهُ، وقرأ ابن مُحَيْصِن بتنوين « تَخَاصُمٌ » ورفع « أَهْلُ » فرفع « تخاصم » على ما تقدم، وأما رفع « أهل » فعلى الفاعلية بالمصدر المنون كقولك :« يعجبني تَخَاصُمٌ الزيدونَ » أي « أَنْ » تَخَاصَمُا « وهذا قولُ البَصْرِيِّينَ، وبعض الكوفيين خَلاَ الفراءَ وقرأ ابنُ أبي عبلة تَخَاصُمَ بالنصب مضافاً » لأهل « وفيه أوجه :
أحدها : أنه صفة »
لذلك « على اللفظ، قال الزمخشري : لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس وهذا فيه نظر لأنهم نصوا على أن أسماء الإشارة لا توصف إلا بما فيه أل نحوه :( مَرَرْتُ ) بهَذَا الرجل ولا يجوز :» مَرَرْتُ « بهذا غلامِ الرجلِ، فهذا أبعد، ولأن الصحيح أن الواقع بعد اسم الإشارة المقارن » لأل « إن كان مشتقاً كان صفة وإلا كان بدلاً، و » تخاصم « ليس مشتقاً.
الثاني : أنه بدل من »
ذَلِكَ « الثالث : أنه عطف بيان.
الرابع : على إضمار أَعْنِي، وقال أَبُو الفَضْلِ : ولو نصب »
تَخَاصُم « على أنه بدل من » ذلك « لجاز انتهى. كأنه لم يطلع عليها قراءة. وقرأ ابن السَّمَيْقَع » تَخَاصَمَ « فعلاً ماضياً » أَهْلُ « فاعل به وهي جملة استئنافية، وإنما سمى الله تعالى تلك الكلمات تخاصماً لأن قول الرؤساء :» لا مرحباً بهم « وقول الأتباع » بل أنتم لا مرحباً بكُم « من باب الخُصُومَة.


الصفحة التالية
Icon