قرئ :« بِيدَيِّ » بكسر الياء كقراءة حمزة :﴿ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] وتقدم ما فيها وقرى : بِيَدِي بالإفراد.
قوله :﴿ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾ قرأ العامة بهمزة الاستفهام، وهو استفهام توبيخ وإنكار، و « أم » متصلة هنا، وهذا قول جمهور النَّحْويِّينَ ونقله ابنُ عطيةَ عن بعض النحويين أنا لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد كقولك : أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو، وأزيدٌ قَامَ أمْ عمرٌو، وإذا اختلفت الفعلان كهذه الآية فليست معادلةً وهذا الذي حكاه عن بعض النحاة مذهب فاسد بل جمهور النحاة على خلافه. قال سيبويه : وتقول : أَضَرَبْتَ زيداً أمْ قَتَلْتَهُ، فالبداءَةُ هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحَدِهما لا تدري أيُّهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أيّ ذلك كان انتهى، فعادل بها الألف مع اختلاف الفعلين، وقرأ جماعة منهم ابنُ كَثيرٍ- وليست مشهورةً عنه - اسْتكْبَرْتَ بألف الوصل؛ فاحتملت وجهين :
أحدهما : أن يكون الاستفهام مراداً يدل عليه « أم » كقوله :

٤٢٨٢-................. بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمانِ
وقوله :
٤٢٨٣- تَرَوَّحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ .................
فتتفق القراءتان في المعنى، واحتمل أن يكون خبراً محضاً، وعلى هذا « فأم » منقطعة لعدم شرطها.

فصل


المعنى استكبرت الآن أم كنت من المتكبرين أبداً أي من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم فأجاب إبليس بقوله :﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ فبين كونه خيراً منه بأن أصله من النار، وأصل آدم من الطين، والنار أشرق من الطين، والدليل على أن النَّارَ أفضلُ من الطين أن الأجرام الفَلَكِيَّة أفضلُ من الأجرام العُنْصُريَّة، والنار أقرب العاصر من الفَلَك والأرض أبعدها عنه، فوجب كونُ النار أفضلَ من الأرض وأيضاً فالنار خليفة الشمس والقمر في إضاءة العالم عند غيبتهما، والشمس والقمر أشرف من الأرض فخليفتهما في الإضاءة أفضل من الأرض وأيضاً فالكيفية الفاعلة الأصلية غما الحرارة أو البرودة والحرارة أفضل من البرودة لأن الحَرارة تناسب الحياة والبرودة تناسب الموت، وأيضاً فالنار لطيفة، والأرض كثيفة، واللطافة أشرف من الكثافة وأيضاً فالنار مشرقة والأرض مظلمة، والنور خير من الظلمة، وأيضاً فالنار خفيفة تشبه الروح، والأرض كثيفة تشبه الجسد، والروح أفضل من الجسد فالنار أفضل من الأرض، وذهب آخرون إلى تفضيل الأرض على النار، وقالوا : إن الأرض أمينٌ مُصلح فإذا أوْدَعْتَهُ حبَّةً ردَّها إليك شجرةً مثمرةً، والنار خائنٌ مفسد كُلَّ ما سلمته إليه وأيضاً فالنار بمنزلة الخادم لِمَا في الأرض إن احتيج إليها استُدْعِيَتْ استدعَاء الخادم وإن استغني عنها طردت وأيضاً والأرض مستولية على النار فإنها تطفئ النار وأيضا فإن استدلال إبليس بكون أصله خيراً من أصله فهو استدلال فاسدلأن أصل الرماد وأصل البساتين المزهرة والأشجار المثمرة هو الطين، ومعلوم بالضرورة أن الأشجار المثمرة خير من الرماد وأيضاً ( هب ) أن اعتبار هذه الجهة يوجب الفَضيلة إلا ان هذا يمكن أن يعارَض بجهةٍ أخرى فوجب الرُّجْحَانُ مثل إنسان نَسِيب عارٍ عن كل الفضائل فإنّ نَسَبَهُ يوجب رُجْحَانَهُ إلا أن من لا يكون نسيباً قد يكونُ كثيرَ العلم والزهد فيكون أفضل من النّسيب بدرجات لا حدّ لها فكذبت مقدمة إبليس.


الصفحة التالية
Icon