الثالث : أن يكون القول المضمر ) بدلاً من الصلة التي هي « اتخذوا » والتقدير : والذين اتخذوا قالوا ما نعبدهم والخبر أيضاً : إنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ و « الَّذِينَ » في هذه الأقوال عِبَارَةٌ عن المشركين المتخذين غيرهم أولياء.
الرابع : أن يكون « الَّذين » عبارة عن الملائكة وما عبدوا من دون الله كعُزَيْرٍ، واللاَّتِ والعُزَّى ويكون فاعل « اتَّخَذَ » عائداً على المشركين ومفعول الاتّخاذ الأول محذوف هو عائد الموصول، والمفعول الثاني هو :« أَوْليَاء » والتقدير : والذين اتخذهم المشركون أولياء. ثم لك في خبر المبتدأ وجهان :
أحدهما : القول المضمر والتقدير والَّذِينَ اتَّخَذَهُمُ المشرِكُونَ أولياء يقول فيهم المشركون ما نعبدهم إلا.
الثاني : أن الخبر هي الجملة من قوله :﴿ إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ وقرئ :« ما نُعْبُدُهُمْ » بضم النون إتباعاً للباء، ولا يعتدُّ بالساكن.
قوله :﴿ زلفى ﴾ مصدر مؤكد على غير المصدر ولكنه مُلاَقٍ لعامله في المعنى، والتقدير ( والمعنى ) ليزْلِفُونا ولِيُقَرِّبُونَا قُرْبَى وجوز أبو البقاء أن يكون حالاً مؤكدة.
فصل
والذين اتخذوا من دونه أي من دون الله أولياء يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله. وهذا الضمير عائد إلى الأشياء التي عبدت، وهذا الكلام إنما يليق بالعقلاء لأن الضمير في « نَعْبُدُهُمْ » ضمير العقلاء فيحمل على المسح وعُزَيْر والملائكة لكي يشفعوا لهم عند الله. ويمكن أن يُحْمَل على الأصنام أيضاً لأن العاقل لا يعبد الصنم من حيث إنه خشب أو حجرٌ، وإنما يعبد ربه لاعتقادهم أنها تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية أو تماثيل الملائكة أو تماثيل الصالحين الذين مضوا ويكون مقصودهم من عبادتها توجيه تلك العبادات إلى أصحاب تلك الصور.
ولما حكمى الله تعالى مذاهبهم أجاب عنها من وجوه :
الأول : أنه اقتصر في الجواب على مجرد القول فقال :﴿ إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾.
واعلم أن المبطل إذا ذكر مذهباً باطلاً وأصرّ عليه فعلاجه أن يحتال بحِيلةٍ توجب زَوَالَ والإصرار عن قلبه، فإذا زال الإصرار عن قلبه فبعد ذلك يذكر له الدلي الدالَّ على بُطْلاَنِهِ فيكون هذا الطريق أفضى إلى المقصود كما يقول الأطباء : لا بد من تقديم ( المُنْضج ) على سقي المُسهل، فإن تناول المنضج يصير المواد الفاسدة رخوة قابلة للزوال، فإذا سقي المُسهل بعد ذلك حصل النقَاء التامّ فكذلك ههنا سماع التهديد والتخويف أولاً يجري مَجْرَى سَقْي المنضج أولاً، وإسماع الدليل ثَانِياً يجْرِي مَجْرَى المُنْضج المسهل ثانياً. فهذا هو الفائدة في تقديم هذا التهديد.
ثم قال اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ أي من أصر على الكذب والكفر بقي ( مَح ) رُوماً من الهداية. والمراد بهذا الكذب وصفهم للأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة، ويحتمل أن يكون المراد بالكفر كفران النعمة لأن العبادة نهاية التعظيم وذلك لا يليق إلا ممن يصدر عنه غاية الإنعام وهو الله تعالى، والأوثان لا مدخل لها في الإنعام فعبادتها توجب كفران نعمة المنعم الحق.
قوله :﴿ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ قرأ الحسنُ والأَعْرَجُ- وتُرْوَى عن أنس - كَذَّاب كفار، وزيدُ بنُ عَليٍّ كَذُوبٌ كفورٌ.