قوله :﴿ مُنِيباً ﴾ حال من فاعل « دَعَا » و « إلَيْهِ » متعلق « بمُنِيباً » أي راجعاً إليه في إزالة ذلك الضر، ولأن الإنابة الرجوع.
قوله :﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ ﴾ أعطاه « نعمة منهُ » أي أعاطها إياه ابتداء من غير مقتضٍ. ولا يتسعمل في الجزاء بل في باتداء العطيَّة، قال زهير :
٤٢٩٢- هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْولوا | ..................... |
٤٢٩٣- أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ | كُومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ |
قوله :« منه » يجوز أن يكون متعلقاً « بِخَوَّلَ » وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة :« لِنِعْمَةٍ ».
قوله :﴿ نَسِيَ ﴾ أي تَركَ « مَا كاَن يَدْعُو إلَيْهِ » يجوز في « ما » هذه أربعة أوجه :
أحدها : أن تكون موصولة بمعنى الذي مراداً بها الضُّرّ أي نَسِيَ الشَّرَّ الذي يدعو إلى كَشفه أي ترك دعاءه كأنه ( لم ) يتضرع إلى ربه.
الثاني : أنها بمعنى الذي مراداً الباري تعالى أي نسي الله الذي كان يتضرع إليه. وهذا عند من يجيز وقوع « ما » على أولي العلم، وقال ابن الخطيب : وما بمعنى « مَنْ » كقوله :﴿ وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى ﴾ [ الليل : ٣ ] ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٣ ] ﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ].
الثالث : أن تكون « ما » مصدرية أي نَسِيَ كَوْنَهُ داعياَ.
الرابع : أن تكون ( ما ) نافية وعلى هذا فالكلام تام على قوله :( « نَسِيَ » ) ثم استأنف إخبراً بجملة منفية، والتقدير : نسي ما كان فيه لم يكن دعاء هذا الكافر خالصاً الله ( تعالى ) وقوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل الضر على القول الأخير، وأما على الأقوال قبله فالتقدير من قبل تحويل النَّعْمة.
قوله :﴿ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً ﴾ يعني الأوثان « لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو « لِيَضِلَّ » بفتح الياء أي ليفعل الضلالَ بنفسه، والباقون بضمها فمعوله محذوف، وله نظائر تقدمتْ، واللام يجوز أن تكون للعلة، وأن تكون لام العاقبة كقوله :﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ].
ثم قال : قُلْ يَا مُحَمد لهذا الكافر « تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قِلِيلاً » في الدنيا أي إلى انقضاء أجلك، وليس المراد منه الأمر بل المراد منه الزجرُ وأن يعرفه قلة تَمَتُّعِهِ في الدنيا ثم مصيره إلى النار، قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة، وقال مقاتل : نزلت في حُذَيْفَةَ بنِ المغيرة المَخْزُومِيّ، وقيل : عامٌّ في كل كافر.
قوله تعالى :﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾ لما شرح الله تعالى صفات المشركين وتمسكهم بغير الله أردفه بشرح أحوال المحقين قرأ الحَرَمِيَّان نافعٌ وابنُ كثير تخفيف الميم والباقون بتشديدها فأما الأولى ففيها وجهان :
أحدهما : أنها همزة الاستفهام دخلت على « مَنْ » بمعنى الذي، والاستفهام للتقرير، ومقابله محذوف تقديره : أَمَّنْ هُوَ قَانتٌ كَمْن جَعَل لِلَّهِ أنْدَاداً؟ أو : أمَّنْ هُوَ قانت كغيره؟ أو التقدير : أَهَذا القَانِتُ خيرٌ أم الكافر المخاطب بقوله :﴿ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ﴾ ؟ ويدل عليه قوله :﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ محذوف خبر المبتدأ وما يعادل المتسفهم عنه والتقدير أن الأوَّلان أولى لقلة الحذف ومِنْ حذف المعادل للدلالة قول الشاعر :