فإن قيل : إن ذكر الله - عزّ جلّ- سبب لحُصُول النور والهداية وزيادة الاطمئنان قال تعالى :﴿ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب ﴾ [ الرعد : ٢٨ ] فكيف جعله في هذه الآية مبيناً لحصول القسوة في القلب؟.
فالجواب : أن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العُنْصر بعيدةً عن مناسبة الرُّوحَانِيَّات شديدة الميل إلى الطبائع البهيمة والأخلاق الذَّميمة فإن سماعها لذكر الله يزيدها قسوةً وكُدُورةً مثاله أن الفاعل الواحد تختلف أفعاله بحسب اختلاف القوابل كنور الشمس تسود وجه القصار ويبيض ثوبه، وحرارة الشمس تلين الشمع وتعقِد الملح وقد نرى إنساناً ( واحداً ) يذكر كلاماً واحداً في مجلس واحد فيستطيبه واحد ويستكرهه غيره، وما ذاك إلا بحسب اختلاف جواهر النفوس، ولما نزل قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] وعمر بن الخطاب حاضر وإنسان آخر فلما انتهى رسول الله- ﷺ - إلى قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] قال كل ( واحد ) منهما :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فقال رسول الله - ﷺ - : اكتب فكذا نزلت فازْدَادَ عمرُ إيماناً على إيمان، وازداد ذلك الإنسان ( كفراً على كُفْرٍ ) وإذا عرف هذا لم يبعد أن يكون ذكر الله- عزّ وجلّ- يوجب النور والهداية والاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانيَّة ويوجب القَسْوَة والبعد عن الحقّ في النفوس الخبيثة الشَّيْطَانِيَّة.