واعلم أن سؤالات المعتزلة وجوابها عن مثل هذه الآية قد تقدم في قوله :﴿ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] ونظائرها.
قوله :﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب ﴾ الآية لما حكم على القاسية قلوبهم بحكم في الدنيا وهو الضلال التام حكم عليه في الآخرة بحكم آخر وهو العذاب الشديد فقال :﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة ﴾ وتقريره أن أشرف الأعضاء الظاهرة هو الوجه لأن محل الصباحة وصومعه الحواس ( والسعادة والشقاوة ) لا تظهر إلا فيه، قال تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أولئك هُمُ الكفرة الفجرة ﴾ [ عبس : ٣٨-٤٢ ] ويقال لمقدم القوم : يَا وَجْهَ الْعَرَبِ، ويقال الطريق الدال على حال الشيء : إن وجه كذا هو كذا. فثَبَتَ بما ذكرنا أن أشرف الأعضاء الظاهرة هو الوجه وإذا وقع الإنسان في نوع من أنواع العذاب فإنه يجعل يده وقاية لوجهه، وإذا عرف هذا فنقول : إذا كان القادر على الاتّقاء يجعل كل ما سوى الوجه فداءً للوجه لا جَرَمَ حسن جعل الاتّقاء بالوجه كناية ( عن العجز ) عن الاتقاء ونظيره قوله النابغة :
٤٢٩٧- وَلاَ عَيْبَ فِيهمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ | بِهِنّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكتَائِبِ |
قوله :﴿ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي تقول الخزنة للظالمين :﴿ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ أي وباله.
ولما بين كيفية عقاب القاسية قلوبهم في الآخرة وبين كيفية وقوعهم في العذاب قال :﴿ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي من قبل كفار مكة كذبوا الرسل ﴿ فَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ يعني وهم آمنون غافلون عن العذاب أي من الجهة التي لا يخشون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منا، ﴿ فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الحياة الدنيا ﴾ وهو الذل والصغار والهوان ثم قال :﴿ وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ يعني أنَّ أولئك وإن نزل بهم العذاب والخزي في الدنيا فالعذاب المدخر لهم يوم القيامة أكبر وأعظم من ذلك الذي وقع بهم في الدنيا.