قوله :﴿ أَسْوَأَ الذي ﴾ الظاهر أنه أفعل تفضيل، وبه قرأ العامة وقيل : ليست للتفضيل بل بمعنى سيءَ الذي عملوا كقولهم :« الأشَجُّ والنَّاقِصُ أَعدلاَ بَنِي مَرْوانَ » أي عَادِلاَهُمْ ويدل عليه قراءة ابن كثير - في رواية - : أَسْوَاءَ بألف بين الواو والهَمْزَة بزنة أعماله جمع سُوءٍ، وكذا قرأ في :« حم » السَّجْدَةِ.
فصل
قوله :﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه، وقوله تعالى :﴿ لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ ﴾ يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ومعنى تكفيرها أي يسترها عليهم بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعلمون وقال مقاتلك يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمَسَاوِئِ، قال ابن الخطيب : واعلم أن مقاتلاً كان شيخ المُرْجِئَة وهم الذين يقولون : لا يضرّ شيءٌ من المعاصي مع الإيمان كما لا ينفع شيءٌ من الطاعات مع الكفر. واحتج بهذه الآية فقال : إنها تدلُّ على أن من صدق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ولا يجوز حمل هذا الأسوأ على الكفر السابق لأن ظاهر الآية أن التكليِيف إنما حصل في حال وصفهم بالتَّقْوَى، ( وهو التقوى ) من الشرك وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد منه الكبائر التي أيتي بها بعد الإيمان فتكون هذه الآية تَنْصِيصاً على أنه تعالى يكفر عنهم بعد إيمانهم ( أَسْوأَ ) ما يأتون به وذلك هو الكبائر.
قوله :﴿ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ العامة على توحيد « عَبْده »، والأَخَوَانِ عِبَادَهُ جمعاً، وهم الأنبياء وأتباعهم، وقرئ « بِكَافِي عِبَادِهِ » بالإضافة ويُكَافِي مضارع كافي عِبَادَهُ نُصب على المفعول به.
ثم المفاعلة هنا تحتمل أن تكون معنى « فَعَلَ » نحو : يُجَازِي بمعنى يَجْزِي وبني على لفظ المفاعلة لما تقدم من أن بناء المفاعلة يشعر بالمبالغة لأنه للمغالبة، ويحتمل أن يكون أصله يُكافيءُ بالهمز من المكافأة بمعنى يَجْزِيهم فخففت الهمزة وهذا استفهام تقرير.
قوله :﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ ﴾ يجوز أن يكون حالاً؛ إذ المعنى أليس ( اللَّهُ ) كَافِيكَ حالَ تخويفهم إياك بكَذَا كأَنَّ المعنى أنه كافِيهِ في كل حال حتى في هذِهِ الحال، ويجوز أن تكونَ مستأنفةً.
فصل
من قرأ بكافٍ عَبْدَهُ يعني محمداً- ﷺ - ومن قرأ عباده يعني الأنبياء عليهم ( الصلاة و ) السلام قَصَدَهُمْ قومُهُمْ بالسوء كما قال تعالى :﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ [ غافر : ٥ ] وكفاهم اللَّهُ شَرَّ من عاداهم. وقيل : المراد أن الله تعالى كفى نوحاً - عليه ( الصلاة و ) السلام- وإبراهيم النار ويونس ما دفع فهو سبحانه وتعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك.
وقوله تعالى :﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ ﴾ وذلك أن قريشاً خوفوا النبي - ﷺ - مُعَادَاةَ الأوثانِ وقالوا : لَتَكُفَّنَّ عن شتم آلهتنا أو ليُصِبَّنَّكَ منهم خَبَلٌ أو جنونٌ، فأنزل الله هذه الآية.