النوع الثاني من الكلمات لاتي حكاها الله تعالى ( عنهم ) بعد نزول العذاب عليهم قوله :﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المتقين ﴾.
النوع الثالث :﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب ﴾ عياناً ﴿ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً ﴾ رجعه إلى الدنيا ﴿ فَأَكُونَ مِنَ المحسنين ﴾ الموحدين.
فتحسروا أولاً : على التفريط في طاعة الله، وثانياً : عللوا بفقد الهداية، وثالثاً : تَمَنوا الرَّجْعَة.
قوله :﴿ فَأَكُونَ ﴾ في نصبه وجهان :
أحدهما : عطفه على « كَرَّةً » فإنها مصدر، فعطف مصدراً مؤولاً على مصدر مصرَّح به كقولها :
٤٣٠٨- لَلْبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عيننِي | أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْس الشُّفُوف |
٤٣٠٩- فما لك منها غير ذكرى وحسرة | وتسال عن ركبانها أين يمموا |
قوله :﴿ بَلَى ﴾ حرف جواب وفيما وقعت جواباً له وجهان :
أحدهما : هو نفي مقدر، قال ابن عطية : وحق « بلى » أن تجيء بعد نفي عليه تقرير، كأن النفس قال : لم يتسع لي النظر أو لم يبين لي الأمر قال أبو حيان : ليس حقها النفي المقدر بل حقها النفي ثم حمل التقرير عليه ولذلك أجاب بعض العرب النفي المقدر بنعم دون بلى، وكذا وقع في عبارة سيبويه نفسه.
والثاني : أن التمني المذكور وجوابه متضَمِّنان لنفي الهداية كأنه قال : لم أهتدِ فرد الله عليه ذلك.
قال الزجاج :« بلى » جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي إلا أنه حصل فيه معنى النفي لأنه قوله :« لو أن الله هداني » أنه ما هداني فلا جرم حسن ذكر « بلى » بعده.
قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قرن الجواب بينهما بما هو جواب له وهو قوله : لو أن اله هداني ولم يفصل بينهما قلت : لأنه لا يخلوا إمّا أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن، وإما أن يؤخر القرينة الوسطى فلم يحسن الأول لما فيه من تغير النظم بالجمع بين القراءتين، وأما الثاني فلِما فيه من نقض الترتيب وهو التحسر على التفريق في الطاعة ثم التعلل بفقد الهداية ثم تمنِّي الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب.