﴿ وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا ﴾ [ الزمر : ١٦ ] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم، والذين كفروا هم الخَاسِرون واعترض ما بينهما أنه خالق الأشياء كلها وأنه له مقاليد السموات والأرض.
قال ابن الخطيب : وهذا عندي ضعيف من وجهين :
الأول : أن قوع الفصل الكثير بين المعطوف عليه بعيد.
الثاني : أن قوله :﴿ وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا ﴾ [ الزمر : ٦١ ] وقوله :﴿ والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله أولئك هُمُ الخاسرون ﴾ جملة اسمية وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز.
قال شهاب الدين : وهذا الاعتراض معترض إذ لا مانع من ذلك.
ثم قال ابن الخطيب : بل الأقرب عند أن يقال : إنه لما وصف الله تعالى بصفات الإليهة والجلالة وهو كونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض بأسرها قال بعده :« والذين كفروا بآيات الله » الظاهرة الباهرة هم الخاسرون.
قوله :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أن « غير » منصوب « بأعبد » و « أعبد » معمول « لتأمروني » على إضمار « أنْ » المصدرية، فلما حذفت بطل عملها وهو أحد الوجهين والأصل أفَتَأمُرُونِي بأن أعْبُدَ غير الله ثم قدم مفعول « أعبد » على « تأمروني » العامل في عامله، وقد ضعف بعضهم هذا بأنه يلزم منه تقديم معمول الصلة على الموصول، وذلك أن « غير » منصوب « بأعبد » و « أعبد » صلة « لأن » وهذا لايجوز.
وهذا الرد ليس بشيء لأن الموصول لما حذف لم يراع حكمه فيما ذكر بل إنما يراعى معناه لتصحيح الكلام.
قال أبو البقاء : لو حكمناه بذلك لأفضى إلى حذف الموصول وإبقاء صلته وذلك لا يجوز إلاَّ في ضروة شعر.
وهذا الذي ذكر فيه نَظَرٌ من حيث إنَّ هذا مختصٌّ « بأَنْ » دون سائر الموصولات وهو أنها تحذف ويبقى صلتها وهو منقاس عند البصريين في مواضع تحذف ويبقى علمها وفي غيرها إذا حذفت لا يبقى علمها إلى في ضرورة أو قليل، وينشد بالوجهين ( قوله ) :
٤٣١٠- أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِري أَحْضُرُ الوَعَى | وأَنْ أَشْهَدَ اللذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي |
الثاني : أن « غَيْر » منصوب « بتَأْمُرُونيِّ » و « أَعْبُد » بدل منه بدل اشتمال، و « أَنْ » مضمرة معه أيضاً.
والتقدير : أفغَيْر اللَّه تأمرونِّي في عبادته، والمعنى : أفتأمرون بعبادة غير الله.
الثالث : أنها منصوبة بفعل مقدر ( تقديره ) فتُلْزِمُوني غير الله أي عبادة غير الله، وقدره الزمخشري تعبدون ( ي ) وتقولون لي أعبده، والأصل : تأمُرُونَيي أن أعبد ( فحذفت ) أن، ورفع الفعل، ألا ترى أنك تقول : أفغير الله تَقُولُون لي أعْبُدُهُ، وأفغير الله تقولون لي أعبد، فكذلك، أفغير الله تقولون لي أن أعبُدَهُ، وأفغير الله تَأمُرُونِّي أَنْ أَعْبُدَ.