وقوله :﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ يعني أن قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء في قوله :« فإذا هم » يدلّ على التعقيب، وقوله « يَنْظُرون » أي يقبلون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم، وقيل : ينظرون ماذا يفعل بهم، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والجمود في مكان لأجل استيلاء الحَيْرة والدهشة عليهم.
قوله :﴿ وَأَشْرَقَتِ الأرض ﴾ العامة على بنائه للفاعل، وابن عباس وأبو الجَوْزاء.
وعُبَيدُ بنُ عُمَير، عل بنائه للمفعول وهو منقول بالهمزة من شَرقَتْ إذا طلعت، وليس من أشْرقَتْ بمعنى أضاءت لأن ذلك لازمٌ وجعله ابن عطيّة مثل رَجَعَ ورجَعْتُهُ، وَوَقَفَ وَوَقَفْتُهُ فيكون أشرق لازماً ومتعدياً.
فصل
هذه الأرض عَرْصة القيامة وليست بأرضنا الآن لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وقوله :﴿ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾ أي خالقها يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه، وقال الحسن والسدي : بنور ربها أي بعدل ربها قال عليه ( الصلاة و ) السلام :« إنَّكُمْ سَتَروْنَ رَبَّكُمْ » وقال :« كما لا تُضَارُّونَ فِي الشَّمْس في اليَوْم الصَّحْو » وقوله :﴿ وَوُضِعَ الكتاب ﴾ أي كتاب الأعمال لقوله :﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ﴾ [ الإسراء : ١٣ ] وقوله :﴿ مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ] وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ.
وقوله :﴿ وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء ﴾ قال ابن عباس : يعين الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وهم أمة محمد - ﷺ - وقال عطاء ومقاتل : يعني الحَفَظَة لقوله تعالى :﴿ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ ق : ٢١ ] وقي : أراد بالشهداء : المستشهدون في سبيل الله.
ثم قال :﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق ﴾ أي بالعدل ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ أي يُزادون في سيئاتهم ولا يُنْقَصُ من حسناتهم « ووفِّيت كُلّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ » أن ثُوَابَ مَا عَمِلْتْ : واعلم أنه تعالى لما بين أنه يوصل إلى كل أحد حقه عبر عن هذا المعنى بأربع عبارات :
أولها : قوله تعالى :﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق ﴾.
وثانيها : قوله تعالى :﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾.
وثالثها : قوله تعالى :﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ﴾.
واربعها : قوله تعالى :﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ يعني أنه ( إن ) لم يكن عالماً بكيفيات أحوالهم فلعله لا يقضي ( إلا ) بالحق لأجل عدم العلم أما إذا كان عالماً بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ عليه، والمقصود من الآية المبالغة في تَقْرير أن كل مؤمن فإنه يصل إلى حقه، قال عطاء يريد أنّي عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا شاهد.