قال الضحاك والكسائيّ معناه قضى ما هو كائن كأنهما أشارا إلى أن معناه : حُمَّ، بضم الحاء وتشديد الميم.
قوله « مِنَ اللهِ » لما ذكر أن حم تنزيل الكتاب وجب بيان أن المنزل من هو؟ فقال : من الله، ثم بين أن الله تعالى موصوف بصفات الجلالة فقال « العَزِيزِ العَلِيمِ ».
فبين أنه بقدرته وعلمه نزل القرآن الذي يتضمن المصالح والإعجاز، ولولا كونه عزيزاً عالماً لما صح ذَلك.
قوله تعالى :﴿ غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ﴾ في هذه الأوصاف ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها كلها صفات الجلالة ك العزيز، والعليم. وإنما جاز وصف المعرفة بهذه وإن كانت إضافتها لفظية لأنه يجوز أن تجعل إضافتها ( معنوية ) فيتعرَّف بالإضافة نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة جاز أن يجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة، ولم يستثن غيره شيئاً وهم الكوفيون يقولون في مثل « حَسَن الوَجْهِ » بأنه يجوز أن تصير إضافته محضة. وعلى هذا فقوله :« شَدِيدِ العِقَابِ » من باب الصفة المشبهة فكيف أجزت جعله صفة للمعرفة وهو لا يتعرف إلا بالإضافة؟
والجواب : إمّا بالتزام مذهب الكوفيين وهو أن الصفة المشبهة يجوز أن تتمخض إضافتها أيضاً فتكون معرفة وإما بأن « شديد » بمعنى مشدد كأَذِين بمعنى « مؤذن » فتتمحض إضافته.
والثاني : أن يكون الكلِ أبْدالاً لأن إضافتها غير محضة قاله الزمخشري، إلا أن هذا الإبدال بالمشتق قليل جداً إلا أن يهجر فيها جانب الوصفية.
الثالث : أن يكون « غَافِرِ » و « قَابِلِ » نعتَيْنِ و « شَدِيدِ » بدلاً لِمَا تقدم من أن الصفة المشبهة لا تتعرف بالإضافة قاله الزجاج إلا أن الزمخشري قال : جعل الزجاج « شديد العقاب » وحده بدلاً للصفات فيه نُبُوٌّ ظاهر. والوجه أن يقال : لما صُودِفَ بين هذه المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت بأنها كلها أبدال غير أوصاف، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على « مُسْتَفْعِلُن » فهي محكوم عليها بأنها من الرجز، فإن وقع فيها جزءٌ واحد على « مُتَفَاعِلُن » كانت من الكامل. وناقشه أبو حيان فقال : ولا نُبُوَّ في ذلك؛ لأن الجري على القواعد التي قد استقرت وصحت وهو الأصل. وقوله « فقد آذنت بأن كلها أبدال » تركيب غير عربي لأنه جعل فقد آذنت جواب لما، وليس من كلامهم : لَمَّا قَامَ زَيْدٌ فَقَدْ قَام عَمْرو. وقوله بأنّ كلها أبدال فيه تكرير للأبدال إمّا بدل البَدَاء عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال، وإما بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشتمال، فلا نص على أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يكرر وذلك في قول الشاعر :


الصفحة التالية
Icon