وقد سُرِدَتْ هذه الصفات كلياً من غير عاطف إلا « قابل التوت » قال بعضهم : وإنما عطف لاجتماعهما وتلازمهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر وقطع « شديد » عنهما فلم يعطف لانفراده.
قال أبو حيان : وفيه نزعة اعتزالية، ومذهب أهل السنة جواز الغفران للعاصي وإن لم يتب إلا الشرك. قال شهاب الدين : وما أبعده عن نزعة الاعتزالية. ثم أقول : التلازم لازم من جهة أنه تعالى متى قَبِلَ التوبة فقد غفر الذنبل وهو كَافٍ في التَّلاَزُم.
قال الزمخشري فإن قلتَ : ما بال الواو في قوله :« وَقَابِلِ التَّوْبِ » ؟ قلتُ : فيها نكتة جليلة وهي إفادة الجمع المذنب والتائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيقبلها فيكتبها له طاعة من الطاعات وإن لم يجعلها مَحَّاءَةً للذنبوب كمن لم يذنب كأنه قال : جامعُ المغفرة والقبول أنتهى.
وبعد هذا الكلام الأنيق وإبراز هذه المعاني الحسنة قال أبو حيان : وما أكثر تَهَجُّحَ هذا الرجل وشَقْشَقَتَه، والذي أفاد : أن الواو للجمع وهذا معروف من ظاهر علم النحو. قال شهاب الدين : وقد أنشدني بعضهم رحمه الله :

٤٣١٨ وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ
( وآخر ) :
٤٣١٩ قَدْ تُنْكِرُ العَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ
والتَّوْبُ ( يحتمل ) أن يكون اسماً مفرداً مراداً به الجِنس كالذَّنْب، وأن يكون جمعاً لتَوْبَةٍ كتَمْرٍ وتَمْرَةٍ و « ذِي الطَّوْلِ » نعت أو بدل كما تقدم، والطَّوْلُ سَعَةُ الفَضْل، و « لاَ إله إلاَّ هُوَ » يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً وحي حالٌ لازمةٌ، وقال أبو البقاء يجوز أن يكون صفة، وهذا على ظا هره فاسد؛ لأن الجُمَل لا تكون صفة للمعارف، ويمكن أن يريد أنه صفة لشديد العقاب، لأنه لم يتعرف بالإضافة.
والقول في « إلَيْهِ المَصِيرُ » كالقول في الجملة قبله ويجوز أن يكون حالاً من الجُمْلَةِ قبله.

فصل


قال المفسرون : غافر الذنب ساتر الذنب وقابل التوب أي التوبة، مصدر تَابَ يَتُوبُ تَوْباً، وقيل : التوب جمع توبة مثل : دَوْمَة ودَوْم، وعَوْمة وعَوْم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : غافر لمن قال لا إله إلا الله، وقال التوب لمن قال لا إله إلا الله، شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله، « ذي الطول » ذي الغِنَى عمن لا يقول لا إله إلا الله.


الصفحة التالية
Icon