« ابدأ بنفسك » ولقوله تعالى لمحمد ﷺ ﴿ واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ﴾ [ محمد : ١١ ] ٍ وقال عن نوح ﷺ ﴿ رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ﴾ [ نوح : ٢٨ ] وهذا يدل على أن من كان محتاجاً إلى الاستغفار ( فإنه يقدم الاستغفار لنفسه على الاستغفار لغيره والملائكة لو كانوا محتاجين إلى الاستغفار ) لاستغفروا لأنفسهم أولاً ثم استغفروا لغيرهم، ولما لم يذكر الله تعالى استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم لم يكونوا محتاجين إلى الاستغفار، وأما الأنبياء عليهم الصلاة واسلام فهم كانوا محتاجين إلى الاستغفار لقوله تعالى لمحمد ﷺ « واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » فظهر أن لملك أفضل من البشر والله أعلم.
قوله « رَبَّنَا » معمول لقول مضمر تقديره يقولون ربنا، والقول المضمر في محل نصب على الحال من فاعل « يستغفرون » أو خبرٌ بعد خبر، و « رَحْمَةً وعِلْماً » تمييز منقول من الفاعلية أي وسع كل شيء رَحْمَتُكَ وعِلْمُكَ. واعلم أن الدعاء في أكثر الأمر مذكور بلفظ « الرب » ؛ لأن الملائكة قالوا في هذه الآية « ربنا »، وقال آدمُ ﷺ :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وقال نوحٌ :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾ [ نوح : ٥ ] وقال ﴿ رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ [ نوح : ٢٧ ] وقال إبراهيم :﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] وقال :﴿ رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ] وقال يوسفُ ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك ﴾ [ يوسف : ١٠١ ] وقال مُوسى ﷺ :﴿ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وقال :﴿ ( رَبِّ ) إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي فَغَفَرَ لَهُ ﴾ [ القصص : ١٦ ] وحكى عن داود ﷺ أنه استغفر ربه وخر راكعاً وقوله سلمانُ ﷺ ﴿ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي إِنَّكَ أَنتَ الوهاب ﴾ [ ص : ٣٥ ]، وحكى عن زَكَرِيَّا ﷺ أنه ﴿ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ﴾ [ مريم : ٣ ] وقال عيسى ﷺ :﴿ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء ﴾ [ المائدة : ١١٤ ] وقال تعالى لمحمد ﷺ :﴿ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين ﴾ [ المؤمنون : ٩٧ ] وحكى عن المؤمنين أنهم قالوا :﴿ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً.... ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ].
فإن قيل : لفظ الله أعظم من لفظ الرب فلم خص لفظ الربِّ بالدعاء؟
فالجواب : بأن العبد يقول : كنتُ في العدم المحض والنفي الصِّرْفِ فأخرجتَنِي إلى الوجود وربَّيتني فاجعل تربيتك لي شفيعاً إليك في أن لا تُخَلِّينِي طرفة عين عن تربيتك وإحسانك ( وفضلك )، لإجابة دعائي.