قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ ﴾ أي يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفهسم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم :﴿ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ ﴾ أي لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند دُخُول العذاب قال البغوي.
واعلم أن الله تعالى عاد إلى شرح أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله، وهم المذكورون في قوله ﴿ مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ غافر : ٤ ] وبين أنهم في القيامة يعترفون بذنوبهم واستحقاقهم العذاب ويسألون الرجوع إلى الدنيا ليتلافوا ما فرط مِنْهُمْ.
قوله « إذْ تُدْعَوْنَ » منصوب بمقدر يدل عليه ( هذا الظاهر، تقديره مقتكم إذ تدعون، وقدّره بعضهم : اذكروا إذ تدعون ). وجوز الزمخشري أن يكون منصوباً بالمقت الأول. ورد عليه أبو حيان بأنه يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو الخبر، وقال : هذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تَخْفَى على المُبْتَدِىءِ، فضلاً عن من يَدَّعِي من العجم أنه شيخ العرب والعجم، قال شهاب الدين : وَمِثْلُ هذها لا يفخى على أبع القاسم، وإنما أراد أنه دال على ناصبه، ( و ) على تقدير ذلك فهو مذهب كوفي ق به. أو لأن الظَّرْفَ يُتَّسَحُ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيره، وأيُّ غموض في هذا محتى يُنْحي عليه هذا الإنحاء؟ ولله درّ القائل :
٤٣٢١ حَسَدُوا الفَتَى إذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ | فالقَوْمُ أعْتدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ |
كَضَرَائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا | كَذِباً وَزُوراً إنَّهُ لَذَمِيمُ |
واللام في « لَمَقْتُ » لام اتبداء، أو قسم، ومفعوله محذوف أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم فهو مصدر مضاف لفاعله كالثاني. ولا يجوز أن تكون المسألة من باب التنازع في « أنفسكم » بين المقتين؛ لئلا يلزم الفصل بالخبر بين المقت الأول ومعموله على تقدير إعماله.