وسيبويه لا يرى إضافة الظرف المستقبل إلى الجمل الاسمية والأخفش يراه ولذلك قدر سيبويه في قوله ﴿ إِذَا السمآء انشقت ﴾ [ الإنشقاق : ١ ] ونحوه فعلاً قبل الاسم، والأخفش لم يقدرْه، وعلى هذا فظاهر الآية مع الأخفش. ويجاب عن سيبويه بأن « هُمْ » ليس مبتدأ بل مرفوعاً بفعل محذوف يفسره اسمُ الفاعل، أي يوم برزوا ويكون « بارزون » خبرَ مبتدأ مضمر، فلما حذف الفعل انفصل الضمير فَبَقِيَ كما ترى، وهذا كما قالوا في قوله ( رَحِمَهُ اللهُ ) :

٤٣٢٢ لَوْ بغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ كُنْتُ كالغَصَّانِ بِالمَاءِ اعْتِصَارِي
في أَنَّ « حَلْقِي » مرفوعٌ بفعل يفسره « شَرِقٌ » ؛ لأنَّ « لَوْ » لا يليها إلا الأفعال، وكذا قوله ( شعرا )
٤٣٢٣...................... إليَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُها
لأنَّ « هَلاَّ » لا يليها إلا الأفعال، فالمفسَّر في هذه المواضع ِأسماء مشتقة وهو نظير : أنا زَيْداً أضَارِبُهُ من حين التفسير، وحركة « يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ » حركة إعراب على المشهور، ومنهم من جوز بناء الظرف وإن أضيف إلى فعلٍ مضارع أو جملة اسمية هعي وهم الكوفيون، وقد وَهَمَ بعضُهم فَحَتَّم بناء الظرف المضاف للجمل الاسمية وقد تقدم أنه لا يبنى عند البصريين إلا ما أضيف إلى ( فعل ) ما نُصضَّ كقوله :
٤٣٢٤ عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ........ ...........................
وتقدم هذا مُسْتَوْفًى في آخر المائدة.
وكتبوا « يَوْمَ » هنا وفي الذاريات منفصلاً، وهو الأصل.
قوله :﴿ لاَ يخفى عَلَى الله ﴾ يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً من ضمير « بَارِزُونَ »، وأن تكومن خبراً ثانياً.

فصل


قال بعض المفسرين : يوم التلاق هو يوم يلتقي أهلُ السماء وأهل الأرض. وقال قتادة ومقاتل : يلتقي الخلق والخالق. وقال بن زيد : يتلاقى العباد. وقال مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ : يلتقي الظالم والمظلوم، وقيل : يلتقي العابد والمعبود، وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله، وقيل : يلتقي الأرواح مع الأجساد، بعد مفارقتها إياها يوم هم بارزون، كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾ [ الطارق : ٩ ].
﴿ لا يخفى على الله منهم ﴾ أي من أحوالهم شيء ويقول الله سبحانه بعد فناء الخلق « لمن الملك اليوم » فلا يجيبه أحد فيتجيب نفسه فيقول ﴿ لِلَّهِ الواحد القهار ﴾ الذي قهر الخلق بالموت.
فإن قيل : الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم؟.
فالجواب : أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحِيطَان والحُجُب أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حالة لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه في الدنيا، كما قال تعالى :﴿ ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon