[ البقرة : ٦ ] وقوله :﴿ إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ يونس : ٩٦ ] فإن حملناه على أن كل واحد منهم محكوم عليه بأنه لايؤمن لزم وقوع الخُلْفِ في كلام الله تعالى؛ لأن كثيراً ممن كفر قد آمن بعد ذلك، أما لو حملناه على أنّ مجموع الذين كفروا لا يؤمنون سواء آمن بعضهم أو لم يؤمن صدق وتخلص عن الخُلف، فلا جَرَمَ حلمنا هذه الآية على سلب العموم لا على عموم السلب وحينئذ يسقط استدلال المعتزلة بهذه الآية.
قوله « يَعْلَمُ » فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنه خبر آخر عن « هو » في قوله ﴿ هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ [ غافر : ١٣ ]، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : بم اتصل قوله ﴿ يعلم خائنة الأعين ﴾ قلتُ : هو خبر من أخبار « هو » في قوله ﴿ هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ [ غافر : ١٣ ] مثل « يُلْقِي الرُّوْحطَ » ولكن « يلقي الروح » قد علل بقوله « لِيُنْذِرَ » ثم استطرد لذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله « ولا شفيع يطاع » فبعد لذلك عن أخواته.
الثاني : أنه متصل بقوله « وأنْذِرْهُمْ » لما أمر بإنذاره يوم الآزمة وما يعرض فيه من شدة الغمِّ والكَرْبِ وأن الظالم لا يجد من يحميه ولا شفيع له، ذكر اطِّلاعَهُ على جميع ما يصدر من الخلق سِرًّا وجهراً إذ المعنى أنه تعالى عالم لا يخفى عليه مثقالُ ذرة في السموات والأرض، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب شديداً جداً وعلى هذا فهذه الجملة لا محل لها لأنها في قوة التعليل للأمر بالإنذار.
الثالث : ِأنها متصلة بقوله :« سَرِيع الحِسَابِ ».
الرابع : أنها متصلة بقوله :﴿ لاَ يخفى عَلَى الله ﴾ [ غافر : ١٦ ] وعلى هذين الوجهين فيحتمل أن تكون جارية مجرى العلة، وأن تكون في محل نصب على الحال.
و « خَائِنَة الأَعْيُنِ » فيه وجهان :
أحدهما : أنها مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة ( والعافية ) أي يعلم خيانة الأعين أي استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب.
والثاني : أنها صفة على بابها وهو من باب إضافة الصفة للموصوف والأصل الأعينُ الخائنة كقوله :

٤٣٣٠........................... وإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسْقِِينَا
وقد رده الزمخشري وقال : لا يحسن أن يراد الخائنةَ من الأعين لأن قوله :﴿ وَمَا تُخْفِي الصدور ﴾ لا يساعد عليه يعنهي أنه لا يناسب أن يقابل المعنى إلا بالمعنى.
وفيه نظر؛ أذ لقائل أن يقول لا نسلم أن « ما » في قوله ﴿ وما تخفي الصدور ﴾ مصدرية حتى يلزم ما ذكره، بل يجوز أن يكون بمعنى الذي وهو عبارة عن نفس ذلك الشيء المخفي فيكون قد قابل الاسم غير المصدر بمثله، والمراد بقوله :﴿ وما تخفي الصدور ﴾ أي تضمر القلوب.
واعلم أن الأفعال قسمان : أفعال الجوارح، وأفعال القلوب، وأما أفعال الجوارح فأخفاها خائنة الأعين والله بهات فكيف الحال في سائر الأعمال، وأما أفعال القلوب فهي معلومة لله تعالى لقوله ﴿ وَمَا تُخْفِي الصدور ﴾ فدل هذا على كونه عالماً بجميع أفعالهم.


الصفحة التالية
Icon