وأما عدم تنوين « علقى » فلأنه سمَّى بها شيئاً بعينه، وألف الإلحاق المقصورة حال العلمية تجري مجرى تاء التأنيث فيمتنع الاسم الذي هو فيه كما يمتنع فاطمةُ وينصرفُ قَائِمة.
قوله :﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ وفيه احتمالان :
الأول : أن هذا إشارة إلى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى ﷺ والمعنى أن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة، ومن هداه إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفاً كذَّاباً فدل على أن موسى لي من الكذابينَ.
الاحتمال الثاني : أن يكون المراد أن فرعون مسرفٌ في عزمه على قتل موسى كذابٌ في ادعائه الإلَهيَّة وةالله لا يهدي من هذا شأنه وصفته بل يُبْطِلُهُ ويَهْدِمُ ِأمره.
قوله :﴿ ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ﴾ اعلم أن مؤمن آل فرعون لما استدل على أنه لا يجوز قتل موسى خوف فرعون وقومه ذلك العقاب الذي توعّدهم به فيوقوله ﴿ يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾ فقال : يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض. أي أرض مصر يعني قد علوتم الناس وقَهَرْتُمُوهُمْ فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حلَّ بكم، وإنما قال « يَنْصُرُنَا وَجَاءَنَا » ؛ لأنه كان يظهر أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه.
قوله « ظَاهِرينَ » حال من الضمير « لكم » والعامل فيها وفي اليوم ما تعلق به « لكم ».
ولما قال المؤمن هذا الكلام قال فرعون :﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى ﴾ هي من رؤية الاعتقاد فيتعدى لمفعولين ثانيهما :« إلاَّ مَا أرَى » أي إلا ما أرى لنفسي. وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم. قوله ﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد ﴾ العامة على تخفيف الشين، مصدر رَشَدَ يَرْشُدُ. وقرِأ معاذ بن جبل بتشديدها، وخرجها أبو الفتح وغيره على أنها صفة مبالغة، نحو ضَرَبَ فهو ضَرَّاب، وقال النحاس : هو لحن، وتوهمه من الرباعي يعني أرشد، ورد على النحاس قوله : بأنه يحتمل أن يكون من « رشد » الثلاثي، وهو الظاهر، وقد جاء فعال أيضاً من أفعل وإن كان لا ينقاس، قالوا : أدْرَكَ فَهُوَ دَرَّاك وأجْبَرَ فهو جَبَّار، وأَقْصَرَ فهو قَصَّار، وأَسْأرَ فهو سَئَّار. ويدل على أنه صفة مبالغة أن معاذاً كان يفسرها بسبيل الله.
قال ابن عطية : ويبعد عندي على معاذ رضي الله عنه وهل كان فرعون يدعي إلا الإلَهيَّةَ؟ ويعلق بناء اللفظ على هذا التركيب. قال شهاب الدين يعني ابن عطية أنهن كيف يقول فرعون ذلك فيقر بأنَّ ثمَّ من يهدي إلى الرشاد غيره مع أنه يدعي أنه إله.


الصفحة التالية
Icon