ورده أبو حيان : بأ، فيه تفكيكاً للكلام وارتكابَ مذهب ليس بصحيح، أما التفكيك فلأن ما جاء في القرآن من « كَذَلِكَ يطبع أو تطبع » إنما جاء مربوطاً بعضه ببعض، وكذلك هذا وأما ارتكاب مذهب غير صحيح فِإنه جعل الكاف اسماً، ولا يكون اسماً إلا في ضرورة خلافاً للأخفش.
الرابع : أن الفاعل محذوف نقله الزمخشري، قال : ومن قال كبر مقتاً عند الله جِدَالهُم فقد حذف الفاعل والفاعل لا يصح حذفه. قال شهاب الدين : القائل بذلك هو الحَوْفِيُّ لكنه لا يريد بذلك تفسير الإعراب إنما يريد به تفسير المعنى، وهو معنى ما تقدم من أنّ الفاعل ضمير يعود على جدالهم المفهوم من فعله، فصرح به الحوفي بالأصل، وهو الاسم الظاهر، ومراده ضمير يعود عليه.
الخامس : أن الفاعل ضمير يعود على ما بعده، وهو التمييز، نحو : نعم رجلاً زيد، وبئس غلاماً عَمْرو.
السادس : أنه ضمير يعود على من في قوله :« من هو مسرف » وأعاد الضمير من كبر مقتاً اعتباراً بلفظها وحينئذ يكون قد راعى لفظ من أولاً في قوله كبر مقتاً.
وهذا كله إذا أعربت « الذين » تابعاً ل ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ﴾ نعتاً أو بياناً، أو بدلا. وقد تقدم أن الجملة من قوله « كبر مقتاً » فيها وجهان :
أحدهما : الرفع، إذا جعلناها خبر المبتدأ.
والثاني : أنها لا محل لها، إذا لم نجعلها خبراً، بل هي جملة استئنافية.
وقوله :« عِنْدَ الله » متعلق « بكَبُرَ »، فكذلك قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفاً وأن يكون فاعلاً وهم ضعيفان.
والثالث وهو الصحيح : أنه معمول ل « يَطْبَعُ » أي مثل ذلك الطبع يطبع الله، و « يطبع الله » فيه وجهان :
أظهرهها : أنه مستأنف.
والثاني : أنه خبر للموصول كما تقدم.
قوله :« قَلْبِ متكبّر » قرأ أبو عمرو، وابن ذَكْوَانَ بتنوين « قَلْبٍ »، وصف القلب بالتكبر والجبروت لأنهما ناشئان منه، وإن كان المراد الجملة، كما وصف بالإثم في قوله :﴿ فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ] وفي قوله :﴿ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ﴾ [ غافر : ٥٦ ] قال بان الخطيب :« وأيضاً قال قوم : الإنسان الحقيقي هو القلب » والباقون بإضافة « قلب » إلى ما بعده، أي كُلِّ قَلْبِ شخصٍ متكبرٍ. قال أبو عبيد : الاختيار الإضافة، لوجوه :
الأول : أن عبدالله قرأ :« على قلب كمل متكبر » وهو شاهد لهذه القراءة.
الثاني : أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما. وقد قدر الزمخشري مضافاً في القراءة الأولى، أي على كُلّ ذِي قلبٍ متكبر، فجعل الصفة لصاحبِ القلب. قال أبو حيان :« ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف ». قال شهاب الدين : بل ثَمَّ ضرورة إلى ذلك، وهو توافقُ القراءتين واحداً وهو صاحب القلب بخلاف عدم التقدير، فإنه يصير الموصوف في إحداهما القلب وفي الأخرى صاحبه.


الصفحة التالية
Icon