﴿ سَلْ بني إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم ﴾ [ البقرة : ٢١١ ] وهذه ليست بالمشهورة عنهما، ولعلها نقلت عنهام ذاشة، وإنا هي معروفة بالحسن والأمش، وقرأ زيدُ بنُ عَلِيٍّ والجَحْدَرِيُّ وقتادةُ والحَسَنُ « يَسَّاءلُونَ » بتشديد السين والأصل « يَتَسَاءَلُونَ » فأدغم، أي يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
فصل
﴿ يسألون عن أبنائكم ﴾ أخباركم، وما آل إليه أمركم « وَلَوْ كَانُوا » يعني هؤلاء المنافقين ﴿ فِيكُمْ مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلا ﴾. أي يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون : قد قَاتَلْنَا، قال الكَلْبَيُّ :« إِلاَّ قَلِيلاً » أي رمياً بالحجارة. وقال مقاتل : إلاَّ رياءً وسُمْعَةٌ من غير احتساب.
( قوله ) تعالى :﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ قرأ عاصم :« أُسْوَةٌ » بضم الهمزة حيث وَقَعَتْ هذه اللفظة والباقون بكسرها. وهما لغتان كالغُدْوَةِ والغِدْوَةِ والقُدْوَةِ والقِدْوةِ والأُسْوة بمعنى الاقتداء أي قدوة صالحة، وهي اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ وهو « الايتساء » فالأسوة من الايتساء كالقُدْوَة من الاقْتِدَاء، وائْتَسَى فُلانٌ بِفُلاَنٍ أي اقْتَدَى به، وأسوة اسم « كان » وفي الخبر وجهان :
أحدهما : هو « لكم » فيجوز في الجار الآخر وجوه : التعلق بما يتعلق به الخبر، أي بمحذوف على أنه حال من « أُسْوَةٍ » ؛ إذ لو تأخر لكان صفةً أو « بكان » على مذهب من يَرَاهُ.
الثاني : أن الخبر هو :« فِي رَسُولِ اللَّهِ » و « لَكُمْ » على ما تقدم في « رسول الله » أو يتعلق بمحذوف على التبيين أَعْنِي لَكُمْ.
قوله :﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من الكاف في « لَكُمْ » قاله الزمخشري، ومنعه أبو البقاء، وتابعه أبو حيان، قال أبو البقاء : وقيل : هو بدل من ضمير المُخَاطَبِ بإعادة الجارِّ، ومنع منه الأكثرون؛ لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه. وقال أبو حيان : قال الزمخشري بدل من « لكم » كقوله :﴿ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ ﴾ [ الأعراف : ٧٥ ]. قال : ولا يجوز على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأنشد :
٤٠٧٧ - بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضِلَةٍ | وأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلّيلاً |