وقال مكي ضمير النظر لأن قوله « لما رأى » بمعنى لما نظر. وقال أيضاً : وقيل ضمير الرؤية، وإنما ذكر لان تأنيثها غير حقيقي ولم يذكر غيرهما، وهذا عجيب منه حيث حجَّروا واسعاً مع الغنية عنه. وقرأ ابن أبي عبلة « وما زادوهم » بضمير الجمع، ويعود للأحزاب لأن النبي - ﷺ - أخبرهم أن الأحزاب يأتيهم بعد عشر أو تسع.
قوله :﴿ مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ ﴾ ووفوا به.
قوله :« صدقوا » صدق يتعدى لاثتين لثانيهما بحرف الجر، ويجوز حذفه ومنه المثل :« صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرة » أي في سن. والآية يجوز أن تكون من هذا، والأول محذوف أي صدقوا الله فيما عاهدوا الله عليه، ويجوز أن يتعدى لواحد كقولك « صَدَقِنِي زَيْدٌ، وكَذَبَنِي عَمْرٌوا » أي قال لي الصدق وقال الكذب، ويكون المعاهد عليه مصدوقاً مجازاً كأنهم قالوا للشيء المعاهد عليه لنوفين بك وقد فعلوا و « ما » بمعنى الذي، ولذلك عاد عليها الضمير في « عليه »، وقال مكي « ما » في موضع نصب « بصدقوا » وهي والفعل مصدر تقديره « صَدَقُوا » العهد أي وفوا به. وهذا يرده عود المضير إلا أن الأخفس وابن السراج يذهبان إلى اسمية « ما » المصدرية.
( قوله ) :« قَضَى نَحْبَهُ » النحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به قال :
٤٠٧٩ - عَشِيَّةَ فَرَّ الحَارِثيُّونَ بَعْدَمَا | قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى القَوْمِ هَوْبَرُ |
٤٠٨٠ - بِطَخْفَةَ جَالَدْنَا المُلُوكَ وَخَيْلُنَا | عَشِيَّةَ بَسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ |
فصل
قال المفسرون معنى ﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ ﴾ أي وفوا بعهدهم الذي عاهدوا الله « فَمِنْهُمْ نَحْبَهُ » أي فرغ من نذره ووفاه بعهده فصبر على الجهاد وقاتل حتى قتل والنحيب النذر قال القُرطبي : مَنْ قَضَى نحبه أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل : قضى نحبه أي بذل جهده في سبيل الوفاء بالعهد من قول العرب « نحب فلان في سيره يومه وليلته أجمع » إذ مد فلم ينزل ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ﴾ الشهادة يعني من بقي من المؤمنين ينتظرون أحد أمرين إما الشهادة أو النصر ﴿ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ بخلاف المنافقين فإنهم قالوا : لا نولي الأدبار وبدلوا قولهم وولوا أدبارهم.
قوله :« لِيَجْزِيَ اللَّهُ » فيه وجهان :
أحدهما : أنها لام العلة.
والثاني : أنها لام الصيرورة، وفيما يتعلق به أوجه إما « بصَدَقَوا » وإام « بزَادَهُمْ » وإما بمَا بَدَّلُوا وعلى هذا قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوقٌ إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلها، والمعنى ليجزي الله الصادقين بصدقهم أي جزاء صدقهم وهو الوفاء بالعهد.