وروي عن علي أيضاً أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فطلقة ثانية، وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء لما روت عائشة قالت :« خيرنا رسول الله - ﷺ - فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك شيئاً »
قوله :« أُمَتَّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ » العامة على جزمهما، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مجزوم على جواب الشرط، وما بين الشرط وجوابه معترض، ولا يضر دخول الفاء على جملة الاعتراض ومثله في دخول الفاء قوله :

٤٠٨٤ - وَاعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعهُ أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِرَا
يريد : واعلم أن سوف يأتي.
والثاني : أن الجواب قوله « فتعالين » و « أمتعكن » جواب لهذا الأمر، وقرأ زيد بن علي « أُمْتِعْكُنَّ »، بتخفيف التاء من « أمته » وقرأ حُمَيْد الحَزَّاز « أُمَتِّعُكُنَّ وَأُسَرِّحُكُنَّ » بالرفع فيهما على الاستئناف و « سَرَاحاً » قائم مقام التَّسريح.

فصل


قال ابن الخطيب : وههنا مسائل منها هل كان هذا التخيير واجباً على النبي ( ﷺ ) أم لا والجواب أن التخيير كان قولاً واجباً من غير شك لأنه إبلاغ للرسالة لأن الله تعالى لما قال ( له ) :« قل لهم » صار من الرسالة، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا، والظاهر أنه للوجوب ومنه أن واحدة منهم لو اختارت الفراق هل كان يصير اختيارها فراقاً. والظاهر أنه لا يصير فراقاً وإنما تبيين المختارة نفسها فإنه من جهة النبي عليه السلام لقوله :﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ ومنها أن واحدة منهن لو اختارت نفسها وقلنا إنها لا تبين إلا بإبانة النبي - ﷺ - فهل كان يجب على النبي عليه ( الصلاة و ) السلام الطلاق أم لا؟ الظاهر نظراً إلى منصبه عليه ( الصلاة و ) السلام أنه كان طلاقاً لأن الخُلْفَ في الوعد من النبي غير جائز بخلاص أحدنا فإنه لا يلزمه شرعاً الوفاء بما يعد، ومنها أن المطلقة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره أم لا؟ والظاهر أنها لا تحرم وإلا لم يكن التخيير ممكناً لها من التمتع بزينة الدنية ومنها أن من اختارت الله ورسوله هل كان يحرم على النبي عليه ( الصلاة و ) السلام طلاقها أم لا؟ الظاهر الحرمة نظراً إلى منصب الرسول عليه السلام على معنى أن النبي - ﷺ - يمتنع منه أصلاً لا بمعنى أنه لو أتى به لعُوقِب أو لعُوتِبَ.
قوله :﴿ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ ﴾ أي من عمل صالحاً منكن كقوله تعالى :﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [ لقمان : ٢٢ ] والأجر العظيم : الكثير الزائد في الطول وفي العرض وفي العمق حتى لو كان زائداً في الطول يقال له طويل ولو كان زائداً في العرض يقال له : عريض وكذلك العميق فإذا وجدت ( منه ) الأمور الثلاثة قيل عظيم، فيقال : جبل عظيم إذا كان عالياً ممتداً في الجهات، وإن كان مرتفعاً حيث يقال : جبل عال.


الصفحة التالية
Icon