قوله :« الذين يبلّغون » يجوز أن يكون تابعاً « لِلَّذِينَ خَلَوا » وأن يكون مقطوعاً عنه رفعاً ونصباً على إضمار :« هم » أو أعْنِي، أو أمْدَحُ.
فصل
المعنى إنَّ الذين يبلغون رسالات الله كانوا أيضاً رُسُلاً مِثْلَكَ، ثم ذكر حالهم بأنهم جرّبوا الخشية ووجدوها فيخشون الله ولا يخشون أحداً سواه فصار كقوله :« فَبِهُدَاهُم اقْتَدِه » ولا يخسى قَالة الناس فإنهم ليسوا بمهتمين فيما أحل الله لهم وفرض عليهم، ﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾ حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبتهم فلا يُخْشَى غَيْرُهُ.
قوله :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ لما تزوج النبي - ﷺ - زينب قال الناس : إن محمداً تزوج امرأة انبه فأنزل الله - تعالى - ﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ﴾ يعني زيد بن حارثة أي ليس أبا أاحد من رجالكمالذين لم يلده فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها. فإن قيل : أليس أنه كان له أبناء القاسمُ والمطهرُ، وإبراهيم، والطَّيِّبُ، وكذلك الحَسَنُ، الحُسَيْنُ، قال - عليه ( الصلاة و ) السلام - :« إن ابني هذا سيد
؟ » فالجواب : هؤلاء كانوا صغاراً ولم يكونوا رجالاً، والصحيح أنه أراد أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم الذي لم يلده.
قوله :﴿ ولكن رَّسُولَ الله ﴾ العامة على تخفيف « لكن » ونصب « رسول »، ونصبه إما على إضمار « كَانَ » لدلالة « كان » السابقة عليها، أي ولكن كَانَ، وإما بالعطف على « أَبَا أَحَدٍ » : والأول أليق؛ لأن « لكن » ليست عاطفة لأجل الواو، فالأليق بها أن تدخل على الجمل « كبل » التي ليست عاطفة. وقرأ أَبُو عَمْروٍ - في رواية - بتشديدها، على أن « رسول الله » اسمها وخبرها محذوف للدلالة، أي ولكن رسول الله هُوَ أي محمد، وحذف خبرها سائغ وأنشد :
٤٠٩٤ - فَلَوْ كُنْتَ ضبّيّاً عَرَفْتَ قَرَابَتِي | وَلَكِنَّ زِنْجِيّاً عَظِيمَ المَشَافِرِ |