فإن قيل : إنه قال في صفة الكفار : إنهم يحشرون عمياً فكيف قال هاهنا إنهم ينظرون من طرفٍ خفي؟! فالجواب : لعلهم يكونون في الابتداء هاهنا ثم يصيرون عمياً، أو لعل هذا في قوم وذاك في قوم آخرين. وقيل : معنى ينظرون من طرفٍ خفيٍّ أي ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً والنظر بالقلب خفيّ.
ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال :﴿ وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة ﴾ وقيل : خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم إلى الجنة. وهذا القول يحتمل أن يكون واقعاً في الدنيا، وإما أن يقولوه يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة، ثم قال :﴿ أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ ﴾ أي دائم. قال القاضي : هذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب : أنّ لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر قال تعالى :﴿ والكافرون هُمُ الظالمون ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ] والذي يؤكد هذا قوله تعالى بعد هذه الآية :﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله ﴾ والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لتشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة وهذا لا يليق إلا بالكافر.
قوله :« يَنْصُرُونَهُمْ » صفة « لأولياء »، فيجوز أن يحكم على موضعها بالجرِّ اعتباراً بلفظ موصوفها وبالرفع اعتباراً بمحلة، فإنه اسم لكان. وقوله :« مِنْ سَبِيلٍ » إما فاعل وإما مبتدأ، والمعنى فما له من سبيل إلى الحق في الدنيا والجنة في العُقْبَى وقد أفسد عليهم طريق الخير.
قوله :﴿ وَقَالَ الذين آمنوا ﴾ يجوز أن يكون ماضياً على حقيقته، ويكون « يَوْمَ القِيَامَةِ » معمولاً « لخَسِرُوا » ويجوز أن يكون بمعنى يقول فيكون يوم القيامة معمولاً له.
قله تعالى :﴿ استجيبوا لِرَبِّكُمْ... ﴾ الآيات. لما ذكر الوعد والوعيد ذكر بعده ما هو المقصود، فقال :﴿ استجيبوا لِرَبِّكُمْ ﴾ أي أجيبوا داعي ( ربكم ) يعني محمداً ﷺ ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله ﴾ أي لا يقدر أحدٌ على دفعه.
قوله :« مِنَ اللهِ » يجوز تعلقه بيأتي أي يأتي من الله يومٌ لا مرد له، وأن يتعلق بمحذوف يدل عليه « لاَ مَرَدَّ لَهُ » أي لا يرد ذلك اليوم ما حكم الله به فيه.
وجوز الزمخشري أن يتعلق « بِلاَ مَرَدَّ »، ورده أبو حيان : بأنه يكون معمولاً وكان ينبغي أن يعرب فينصب منوناً.
واختلفوا في المراد بذلك اليوم، فقيل : هو ورود الموت. وقيل : يوم القيامة، قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون معنى قوله : لا مرد له « أي لا يقبل التقديم ولا التأخير، وأن يكون معناه أنه لا مرد فيه إلى حال التكليف حتى يحصل فيه التلاقي.


الصفحة التالية
Icon