وبأن : أن يرسل لا يقع حالاً لنص سيبويه : على أن « أَنْ » والفعل لا يقع حالاً وإن كان المصدر الصريح يقع حالاً تقول : جاء زيد ضحكاً، ولا يجوز أن يضحك.
الثالث : أنه عطف على معنى وحياً فإنه مصدر مقدر بأن والفعل والتقدير : إلاَّ بأن يوحي إليه أو بأن يرسل. ذكره مكي وأبو البقاء.
قوله :﴿ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ العامة على الإفراد. وابن أبي عبلة : حجبٍ جمعاً. وهذا الجار يتعلق بمحذوف تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب. وقد تقدم أن هذا الفعل معطوف على معنى وحياً، أي إلاَّ أن يوحي أو يكلمه.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يتعلق من ب « يْكَلِّمهُ » ( الموجودة في اللفظ لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعد إلا. ثم قال : وقيل : من مسبوقة بيُكَلِّمُهُ } لأنه ظرف والظرف يُتَّسَعُ فيه.
فصل
ذكر المفسرون أن اليهود قالوا للنبي ﷺ ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نيباً كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال : لم ينظر موسى إلى الله تعالى. فأنزل الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام أو من وراء حجاب يسمعه كلامه ولا يراه كما كلم موسى عليه الصَّلاة والسَّلام أو يرسل رسولاً ما جبريل أوة غيره من الملائكة فيوحي بإذنه ما يشاء أن يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله مايشاء.
وهذه الآية تدل على ( أن ) الحسن لا يحسن لوجه عائد إليه وأن القبح لا يقبح لوجه عائد إليه بل الله إنما يأمر بما يشاء من غير تخصيص وأنه ينهى عما يشاء من غير تخصيص، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لما صح قوله :« مَا يَشَاءُ »، ثم قال :﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ أي عليم بصفات المخلوقين حيكم تجري أفعاله على الحكمة فيتكلم تارة بغير واسطة على سبيل الإلهام وأخرى بإسماع الكلام وثالثاً بواسطة الملاكئة الكرام. ولما بين الله كيفية أقسام الوحي إلى الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام قال :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ أي كما أوحينا إلى سائر رسلنا أوحينا إليك روحاً من أمرنا.
قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) نبوة. وقال الحسن ( رضي الله عنه ) : رحمة وقال السدي ومقاتل : وحياً. وقال الكلبي : كتاباً، وقال الربيع، جبريل. وقال مالك بن دينار : يعني القرآن.
قوله :﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب ﴾ « ما » الأولى نافية والثانية استفهامية، والجملة الاستفهامية معلقة للدِّراية، فهي في محل نصب لسدها مفعولين، والجملة المنفية بأسرها في محل نصب على الحال من لكاف في « إلَيْكَ ».